للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعنون به ما كان مفترقاً فاجتمع، ولا ما يقبل التفريق، بل يعنون به ما تميز منه جانب عن جانب، كالشمس، والقمر، وغيرهما من الأجسام.

وأما المتفلسفة فالمؤلف والمركب عندهم أعم من هذا، فهم يدخلون في ذلك تأليفاً عقلياً، لا يوجد في الأعيان، ويدعون أن النوع مؤلف من الجنس، والفصل، فإذا قلت الإنسان حيوان ناطق، قالوا إن الإنسان مؤلف من هذين، وإنما هو موصوف بهما.

وأما لفظ الجسم، فإن الجسم عند أهل اللغة كما ذكره الأصمعي، وأبو عبيد، وغيرهما، هو الجسد والبدن، قال - تعالى -: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون - ٤] ، وقال - تعالى -: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة - ٢٤٧] ، فهو يدل في اللغة على معنى الكثافة، والغلظ، كغلظ الجسد، ثم يراد به نفس الغليظ، وقد يراد به غلظه، فيقال لهذا الثوب جسم، أي غلظ وكثافة، ويقال هذا أجسم من هذا، أي أغلظ وأكثف. ثم صار لفظ الجسم في اصطلاح أهل الكلام، أعم من ذلك، فيسمون الهواء، وغيره، من الأمور اللطيفة جسماً، وإن كانت العرب لا تسمى هذا جسماً١.

وكذلك الذين قالوا إن الجسم هو الموجود، أو القائم بنفسه، أو ما يمكن الإشارة إليه، فإن هذا المعنى غير صحيح، فليس كل شيء موجود، أو قائم بنفسه، أو يمكن الإشارة إليه، يصح أن يسمى جسماً في لغة العرب، فالهواء والنار ليست جسماً، وهي في اصطلاحهم جسم٢.

ثانياً: أن قولهم محدث مبتدع لم يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أحد من صحابته، أو من التابعين لهم.

ثالثاً: إذا قيل هو جسم بمعنى أنه مركب من الجواهر المنفردة، أو المادة والصورة، فهذا باطل، بل هو أيضاً باطل في المخلوقات، فكيف في الخالق - سبحانه وتعالى -٣.

رابعاً: أن أهل الكلام الذين تنازعوا في إثبات الجسم ونفيه، كالهشامية، والكرامية، ونحوهم ممن أثبته، وكالجهمية، والمعتزلة، ونحوهم ممن نفاه، قد يدخل كل منهم في ذلك


١ - انظر: بيان تلبيس الجهمية ١/٥٠٥ - ٥٠٦.
٢ - انظر: الدرء ٧/١١٢، ١٠/٢٥٨ - ٢٥٩.
٣ - انظر: مجموع الفتاوى ٥/٤٢٨ - ٤٢٩.

<<  <   >  >>