للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥ - حكم إطلاق لفظ الجسم على الله:

لما كان لفظ الجسم في اصطلاح المتكلمين، والفلاسفة، فيه إجمال، وإبهام، امتنع طوائف من أهل الإثبات، عن إطلاق القول بنفيه، أو إثباته، على الله، ولم ينقل عن أحد من السلف، والأئمة، لا إثباته، ولا نفيه، كما لا يوجد مثل ذلك في لفظ المتحيز، والجوهر، ونحوهما، وذلك لأنها ألفاظ مجملة، يراد بها حق وباطل، وعامة من أطلقها في النفي أو الإثبات، أراد بها ما هو باطل لاسيما النفاة؛ فإن نفاة الصفات كلهم، ينفون الجسم والجوهر والمتحيز، ونحو ذلك، ويدخلون في نفي ذلك نفي صفات الله، وحقائق أسمائه، ومباينته لمخلوقاته. بل إذا حقق الأمر عليهم، وجد نفيهم متضمناً لحقيقة نفي ذاته، إذ يعود الأمر إلى وجود مطلق، لا حقيقة له إلا في الذهن والخيال، أو ذات مجردة، لا توجد إلا في الذهن والخيال، أو إلى الجمع بين المتناقضين، بإثبات صفات ونفي لوازمها١.

يقول أبو العباس بن سريج - رحمه الله -: "توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتوحيد أهل الباطل، الخوض في الأعراض والأجسام، وإنما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك"٢.

والخوض في الأعراض والأجسام كما خاض فيه المتكلمون، كقولهم ليس بجسم ولا عرض ونحو ذلك، أول من ابتدعه في الإسلام الجهمية، وأتباعهم من المعتزلة٣، وكذلك بعض قدماء الشيعة٤.

والجواب على إطلاق هذه الألفاظ المجملة على الله، يكون بأن يستفصل السائل، ويقول له: ماذا تريد بهذه الألفاظ المجملة؟ فإن أراد بها حقاً، وباطلاً، قبل الحق، ورد الباطل.

فلفظ الجسم فيه إجمال؛ قد يراد به المركب الذي كانت أجزاؤه مفرقة فجمعت، أو ما يقبل التفريق والانفصال، أو المركب من مادة وصورة، أو المركب من الأجزاء المفردة، التي تسمى الجواهر الفردة، والله - تعالى - منزه عن ذلك كله. وقد يراد بالجسم ما يشار


١ - انظر: الدرء ٥/٥٧.
٢ - الحجة في بيان المحجة ١/٩٦ - ٩٧، وانظر: بيان تلبيس الجهمية ١/٤٨٧.
٣ - انظر: بيان تلبيس الجهمية ٢/٢٩٨، الدرء ٦/٢٨٨ - ٢٨٩، ٧/١٨٥.
٤ - انظر: بيان تلبيس الجهمية ١/٩، ٥٤، ١٠٠، الصفدية ٢/٣٣، منهاج السنة النبوية ٢/١٣٥، مجموع الفتاوى ٥/٢٩٨، ٤٢٤، مقالات الإسلاميين ١٠٦ - ١٠٩.

<<  <   >  >>