للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - إطلاق العرض على صفات الله:

لقد تبين في الصفحات السابقة المعنى الوارد في الكتاب والسنة للفظ العرض، وتبين مغايرة المعنى الشرعي له عن المعنى الذي يريده الفلاسفة والمتكلمون بهذا اللفظ. كما اتضح بعد المخالفين عن دلائل اللغة، وتحريفهم لمعاني الألفاظ وتقليد بعضهم بعضاً في ذلك.

والسلف والأئمة لم يطلقوا لفظ العرض في حق الله، لا بنفي، ولا بإثبات، بل بدّعوا أهل الكلام بذلك، وذموهم غاية الذم١.

بينما يطلق نفاة الصفات لفظ الأعراض على صفات الله، قالوا: والأعراض لا تقوم إلا بجسم، مركب، والمركب ممكن محتاج، وذلك عين النقص، ولذلك قالوا بنفي الصفات عن الله، اعتماداً على هذه الشبهة، وغيرها من شبهاتهم الباطلة.

وللمثبتة للصفات ثلاث طرق في إطلاق لفظ العرض على صفات الله - تعالى -:

منهم من يمنع أن تكون أعراضاً، ويقول بل هي صفات، وليست أعراضاً، كما يقول ذلك الأشعري، وكثير من الفقهاء، من أصحاب الإمام أحمد وغيره.

ومنهم من يطلق عليها لفظ الأعراض، كهشام، وابن كرام وغيرهما.

ومنهم من يمتنع من الإثبات والنفي، كما قالوا في لفظ الغير، وكما امتنعوا عن مثل ذلك في لفظ الجسم ونحوه، فإن قول القائل العلم عرض بدعة، وقوله ليس بعرض بدعة، كما أن قوله الرب جسم بدعة، وقوله ليس بجسم بدعة٢.

والجواب لمن يطلق هذا اللفظ، أن يقال: أتعني بقولك أنها أعراض، أنها قائمة بالذات، أو صفة للذات، ونحو ذلك، من المعاني الصحيحة، أم تعني بها أنها آفات ونقائص، أم تعني بها أنها تعرض، وتزول، ولا تبقى زمانين. فإن عنيت الأول فهو صحيح، وإن عنيت الثاني فهو ممنوع، وإن عنيت الثالث فهذا مبني على قول من يقول العرض لا يبقى زمانين، فمن قال ذلك وقال: هي باقية، قال: لا أسميها أعراضاً، ومن قال: بل العرض يبقى زمانين، لم يكن هذا مانعا من تسميتها أعراضاً٣.


١ - انظر: بيان تلبيس الجهمية ١/١٠٠.
٢ - انظر: مجموع الفتاوى ٦/١٠٢.
٣ - انظر: المرجع السابق ٦/١٠٣.

<<  <   >  >>