للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - معنى الأفول في اصطلاح المتكلمين والفلاسفة:

ذهبت الجهمية، والمعتزلة، ومن اتبعهم من الأشاعرة، والماتريدية، إلى تفسير الأفول بالحركة والانتقال والتغير، وجعلوا ذلك دليلاً على الحدوث، ونفوا صفات الأفعال عن الله بناء على هذه الشبهة، واعتمدوا في بدعتهم هذه، على قول الخليل - عليه السلام -: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام - ٧٦] ١، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "ومن عجائب الأمور، أن كثيراً من الجهمية، نفاة الصفات والأفعال، ومن اتبعهم على نفي الأفعال، يستدلون على ذلك بقصة الخليل - صلى الله عليه وسلم -، كما ذكر ذلك بشراً المريسي، وكثير من المعتزلة، ومن أخذ ذلك عنهم، أو عمن أخذ ذلك عنهم؛ كأبي الوفاء بن عقيل، وأبي حامد، والرازي، وغيرهم، وذكروا في كتبهم أن هذه الطريقة هي طريقة إبراهيم الخليل عليه - صلوات الله وسلامه -، وهو قوله {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام - ٧٦] قالوا فاستدل بالأفول، الذي هو الحركة والانتقال، على حدوث ما قام به ذلك كالكوكب، والقمر، والشمس "٢.

قال الرازي في استدلاله على نفي صفات الأفعال: "الثالث قول الخليل: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام - ٧٦] يدل على أن المتغير لا يكون إلهاً "٣. ويقول النسفي في تفسيره لقوله - تعالى -: {فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام - ٧٦] : " {فَلَمَّا أَفَلَ} غاب، {قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} أي لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال، لأن ذلك من صفات الأجسام "٤. وقال القرطبي: "فلما أفل النجم، قرر الحجة، وقال ما تغير لا يجوز أن يكون رباً، وكانوا يعظمون النجوم، ويعبدونها، ويحكمون بها"٥. وقال أبو السعود: " {فَلَمَّا أَفَلَ} أي غرب، {قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} أي الأرباب المنتقلين من مكان إلى مكان، المتغيرين من حال إلى حال، المحتجبين بالأستار، فإنهم بمعزل من استحقاق الربوبية"٦.


١ - انظر: رد الدارمي على بشر المريسي ص ٥٥، درء التعارض ١/٣١٠، بيان تلبيس الجهمية ١/٥٢٨ - ٥٢٩.
٢ - درء التعارض ١/٣١٠.
٣ - المرجع السابق ٢/٢١٦، وقد نقله شيخ الإسلام عن الرازي في لباب العقول.
٤ - تفسير النسفي٢/٢٠.
٥ - تفسير القرطبي ٧/٢٦.
٦ - تفسير أبي السعود ٣/١٥٣، وانظر: روح المعاني ٧/٢٠٠.

<<  <   >  >>