للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويلاحظ أن هؤلاء المفسرين، من متكلمة الصفاتية، يذكرون أن معنى الأفول هو المغيب، ثم يضيفون إليه معنى زائداً، وهو التغير والحركة والانتقال، وهو ما قرره أهل الكلام في كتبهم.

أما ابن سينا فإنه يجعل الأفول بمعنى الإمكان، كما قال في إشاراته: "قال قوم إن هذا الشي المحسوس، موجود لذاته، واجب لنفسه، لكنك إذا تذكرت ما قيل لك في شرط واجب الوجود، لم تجد هذا المحسوس واجباً، وتلوت قوله - تعالى -: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [سورة الأنعام - ٧٦] فإن الهُوِىَّ في حظيرة الإمكان، أفول ما "١.

٤ - نقد معنى الأفول عند المتكلمين والفلاسفة:

لقد رد أئمة أهل السنة على من حرف معنى الأفول؛ من المعتزلة، والجهمية، وأتباعهم. حيث زعموا أن معنى الأفول هو الحركة، والانتقال، وأنه يعني التغير، وهو تحريف ظاهر لمعنى الأفول، مخالف لدليل السمع واللغة، ومن وجوه الرد عليهم في ذلك ما يلي:

الوجه الأول: أنه من المعلوم باتفاق أهل اللغة والمفسرين، أن الأفول ليس هو الحركة، ولا هو التغير، فلا يسمى في اللغة كل متحرك، أو متغير، آفلاً، ولا أنه أفل، فلا يقال للمصلي، أو الماشي، إنه آفل. ولا يقال للتغير الذي هو استحالة؛ كالمرض، واصفرار الشمس، إنه أفول. ولا يقال للشمس إذا اصفرت إنها أفلت. وإنما يقال أفلت إذا غابت واحتجبت. وهذا من المتواتر المعلوم بالاضطرار من لغة العرب، أن آفلاً بمعنى غائب، وقد أفلت الشمس، تأفل، أفولاً، أي غابت٢.

الوجه الثاني: أنه لو كان احتجاجه بالحركة، والانتقال، لم ينتظر إلى أن يغيب، بل كان نفس الحركة التي يشاهدها، من حين تطلع، إلى أن تغيب الأفول. وأيضا فحركتها بعد المغيب، والاحتجاب، غير مشهودة، ولا معلومة٣.


١ - الإشارات ٣ /١٠٢ - ١٠٣، وانظر: درء التعارض ١/٣١٤.
٢ - انظر: درء التعارض ١/١٠٩، ٢/٢١٦، ٨/٣٥٥ - ٣٥٦ بغية المرتاد ٣٥٩، مجموع الفتاوى ٥/٥٤٧ - ٥٤٨، ٦/٢٥٤، ٢٨٤ - ٢٨٦، الصواعق المرسلة ١/١٩٠.
٣ - انظر: بيان تلبيس الجهمية ١/٥٢٨ - ٥٢٩، درء التعارض ٤/٧٧.

<<  <   >  >>