للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولاً: أنه من المعلوم بالضرورة من لغة العرب، أنهم لا يسمون كل مخلوق، موجود، آفلاً، ولا كل موجود بغيره، آفلاً، ولا كل موجود يجب وجوده بغيره، لا بنفسه، آفلاً، ولا ما كان من هذه المعاني، التي يعنيها هؤلاء بلفظ الإمكان، بل هذا أعظم افتراء على القرآن، واللغة، من تسمية كل متحرك آفلاً١.

ثانياً: لو كان الخليل - عليه الصلاة والسلام - أراد بقوله: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} [الأنعام - ٧٦] هذا المعنى، لم ينتظر مغيب الكوكب، والشمس، والقمر، ففساد قول هؤلاء المتفلسفة في الاستدلال بالآية، أظهر من فساد قول المتكلمين٢.

ثالثاً: أن هؤلاء من أعظم الناس تحريفا للفظ الأفول، ولفظ الإمكان، فإنهم وسائر العقلاء يسلمون أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم، لا يكون إلا ما كان معدوماً. فأما القديم الأزلي الذي لم يزل، فيمتنع عندهم، وعند سائر العقلاء، أن يكون ممكناً، يقبل الوجود والعدم. ولكنهم يتناقضون تناقضاً بيناً، فقالوا الفلك ممكن، يقبل الوجود والعدم، وهو مع ذلك قديم أزلي٣.

رابعاً: لو كان معنى الأفول هو الإمكان، لما قال الله - عز وجل -: {فَلَمَّا أَفَلَتْ} [الأنعام - ٧٨] ، لأنها آفلة منذ وجودها، بمعنى ممكنة، لكن لما قال - تعالى -: {فَلَمَّا أَفَلَتْ} [الأنعام - ٧٨] ، دل على أن هذا شيء يطرأ عليها في وقت دون وقت، وهو المغيب والاحتجاب، فيمتنع كون الأفول بمعنى الإمكان.

ومما سبق من الردود - على إيجازها - يتبين مدى تحريف المتكلمين والفلاسفة لمصطلح الأفول، وبعدهم عن معاني اللغة والقرآن.


١ - انظر: درء التعارض ١/٣١٥، ١١١، ٤/٧٦ - ٧٧.
٢ - انظر: المرجع السابق ١/٣١٤ - ٣١٥، ٤/٧٦، بيان تلبيس الجهمية ١/٥٣١، مجموع الفتاوى ٥/٥٥٠، منهاج السنة ١/٢٠١ - ٢٠٢، ٢/١٩٧.
٣ - انظر: درء التعارض ٤/٧٦.

<<  <   >  >>