للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - معنى إمكان الذوات في اصطلاح الفلاسفة والمتكلمين:

هذا الدليل هو عمدة الفلاسفة أمثال ابن سينا وأتباعه، وهو من الأدلة التي استدل بها متأخرو المتكلمين في إثبات وجود الله، وقد أخذوا هذا الدليل عن الفلاسفة، وهي طريقة لم يسلكها أرسطو، بل ولا سلكها جماهير الفلاسفة قبل ابن سينا١.

يقول الرازي: "الناس قد توصلوا إلى إثبات واجب الوجود بطرق. فمن الناس من توصل بطريقة الإمكان، وهي معتمد الحكماء"١. وقوله الحكماء هنا يحتاج إلى تعقيب، إذ كما أسلفت لم يسلك هذه الطريقة غير ابن سينا ومن جاء بعده. أما تعريف الإمكان فيقول الرازي: "إن مرادنا من لفظ الإمكان، هو كون الشيء بحيث يجوز أن يستمر على ما كان عليه قبل ذلك، ويجوز أن لا يبقى على ما كان عليه قبل ذلك"٣.

وهذا الدليل يعتمد على تقسيم الموجودات إلى واجب وممكن، وفي شرح هذا الدليل يقول الرازي: "نقول لا شك في وجود موجود، وكل موجود فإما أن تكون حقيقته مانعة من قبول العدم، وإما أن لا تكون. فالأول هو الواجب لذاته، والثاني هو الممكن لذاته. فثبت أنه لابد من الاعتراف بوجود موجود، وثبت أن كل موجود، فهو إما واجب لذاته وإما ممكن لذاته، ينتج أن في الوجود إما موجود واجب الوجود لذاته، وإما موجود لذاته ممكن لذاته، إن كان الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني فنقول الممكن لذاته لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح، وذلك المرجح إن كان واجبا لذاته فهو المطلوب. وإن كان ممكناً لذاته عاد التقسيم الأول فيه، فإما أن يتسلسل، أو يدور، وهما محالان، وإما أن ينتهي إلى أن ينتهي إلى موجود، واجب الوجود لذاته، وهو المطلوب"٢.

ويعلق شيخ الإسلام - رحمه الله - على هذا الدليل فيقول: "وأما القول بإمكان الأجسام فهو مبني على أن الموصوف ممكن، بناء على أن المركب ممكن، وعلى نفي الصفات، وهي


١ - انظر: درء التعارض ٥/٢٩٢، ٣/٣٣٤ - ٣٣٥، الصفدية ٢/١٨٠ - ١٨١.
١ -المباحث المشرقية ٢/٤٦٧ - ٤٦٨.
٣ - المطالب العالية ١/٢٠٥.
٢ -المرجع السابق ١/٧٢، وانظر: معالم أصول الدين ص٣٣، النجاة ص ٦٤، ٧٧ - ٧٨، الإشارات ٣/٤٨٢ - ٤٨٣، الدرء ٣/١٦٦- ١٦٧، الفتاوى ١/٤٩.

<<  <   >  >>