للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طريقة أحدثها ابن سينا وأمثاله، وركبها من مذهب سلفهم، ومذهب الجهمية "١. فالمعتزلة قسموا الوجود إلى محدث وقديم، وبينوا ثبوت القديم، فأخذ ابن سينا يقسمه إلى واجب وممكن، وغرضه إثبات وجود الواجب، بدون إثبات حدوث العالم، وجعل وجود العالم ممكناً، وخالف بذلك طريقة سلفه الفلاسفة، فإن الممكن عندهم لا يكون موجوداً٢.

٣ - مناقشة هذا الدليل:

دليل إمكان الذوات الذي يعتمده ابن سينا وأتباعه، باطل من وجوه:

الوجه الأول: أنه قد علم بالاضطرار من دين الرسول، والنقل المتواتر، أنه دعا الخلق إلى الإيمان بالله ورسوله، ولم يدع الناس بهذه الطريق، ولم يدع بها أحد من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، الذين هم خير هذه الأمة، وأفضلها علما وإيمانا. فهي طريق مبتدعة، فكيف يجوز أن يقال: إن تصديق الرسول موقوف عليها٣.

الوجه الثاني: أن هذا الدليل مبني على نفي الصفات، ومعلوم أن أكثر العقلاء ينازعونهم في هذا، ويقولون هذا قول باطل، فيمتنع أن يكون العلم بالصانع موقوفا على طريق فاسد٤.

الوجه الثالث: أن جماهير العقلاء من المسلمين واليهود والنصارى، والفلاسفة القدماء والمتأخرين، يقدحون في موجب هذا الدليل، وليس هو طريقة أرسطو وقدماء الفلاسفة، ولا طريقة ابن رشد وأمثاله من المتأخرين، بل هذا المسلك عند جمهور العالم من أعظم الأقوال فسادا في الشرع والعقل٥، يقول الغزالي: "وأما الفلاسفة فقد رأوا أن العالم قديم، ثم أثبتوا له صانعا مع ذلك، وهذا المذهب بوضعه متناقض، لا يحتاج فيه إلى إبطال"٦. فابن سينا في هذا الدليل، قد قسم الوجود إلى واجب وممكن، وأثبت الواجب بهذا الطريق، ولكن هذا بناء على


١ - درء التعارض ١/٩٨ - ٩٩.
٢ - انظر: الصفدية ٢/١٩.
٣ - انظر: درء التعارض١/٩٧ - ٩٨.
٤ - انظر: المرجع السابق١/٩٨ - ٩٩.
٥ - انظر: المرجع السابق ٥/٢٩٣.
٦ - تهافت الفلاسفة ص٧٩.

<<  <   >  >>