للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن القديم ممكن، وله ماهية تقبل الوجود والعدم، وهذا مما خالفه فيه جمهور العقلاء من الفلاسفة، والمتكلمين وغيرهم، حتى أنه هو تناقض في ذلك فوافق سلفه وجميع العقلاء، وصرح بأن الممكن لا يكون إلا ما يقبل الوجود والعدم، ثم تناقض بقوله أن ذات الممكن قد تكون قديمة أزلية واجبة بغيرها١. والقدم ووجوب الوجود متلازمان عند عامة العقلاء، الأولين والآخرين، ولم يعرف عن طائفة منهم نزاع في ذلك إلا ما أحدثه هؤلاء، فإنا نشهد موجودات كثيرة، حدثت بعد أن لم تكن، ونشهد عدمها بعد أن كانت، وما كان معدوما أو سيكون معدوما لا يكون واجب الوجود، ولا قديما أزليا٢.

الوجه الرابع: أن هؤلاء إذا قدر أنهم أثبتوا واجب الوجود، فليس في دليلهم أنه مغاير للسماوات والأفلاك، وهذا مما بين تهافتهم فيه الغزالي وغيره، لكن عمدتهم أن الجسم لا يكون واجبا، لأنه مركب، والواجب لا يكون مركبا، هذا عمدتهم وهو قول باطل، وما زال النظار يبينون فساد هذا القول، كل بحسبه، كما بين الغزالي فساده بحسبه٣.

فهذا الدليل الذي اعتمده الفلاسفة في إثبات وجود الله باطل عقلا وشرعا، وهو غير محصل للمقصود، كما أنهم قد تناقضوا في أهم مصطلحات هذا الدليل وهو لفظ الإمكان، إذ قد جعلوا الممكن قديما أزليا، وهذا يدل بجلاء على تخبط وفساد مذهب الفلاسفة في الإلهيات.


١ - انظر: درء التعارض ٣/٣٣٥ - ٣٣٧.
٢ - انظر: مجموع الفتاوى ١/٤٩.
٣ - انظر رد الغزالي في تهافت الفلاسفة ص٧٩ - ٨٢. وانظر: مجموع الفتاوى ١/٤٩ - ٥٠.

<<  <   >  >>