للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٣ - تعريف التوحيد عند أهل الوحدة ١:

التوحيد عند أهل الوحدة - كما يقولون في تعريفه -: هو إسقاط الإضافات؛ أي لا تضيف شيئاً من الأشياء إلى غير الحق –سبحانه -، وقيل: هو تنزيه الله عن الحدث، وقيل: إسقاط الحدث وإثبات القدم. وحاصل مراتب التوحيد عندهم: أن يعلم يقيناً بالدليل القاطع، أن الموجود الحقيقي هو الله - سبحانه -، وكل ما سواه معدوم الأصل، وجوده ظل وجود الحق، فيعتقد أن ليس في الوجود فعل، وصفة، وذات، إلا لله حقيقة، وأن يجد ذلك ويشهده٢. وهم يُعرفون علم التوحيد بأنه: "علم يعرف به أنه لا وجود لغير الله - تعالى -، وليست الأشياء إلا مظاهره تعالى ومجاليه، والموحدون طائفة لا يرون غير الحق عز شأنه وجل برهانه، ولا يعلمون وجودا لغير الحق - تعالى -، وإن حقيقة الوجود هو الله - سبحانه - "٣.

وحقيقة توحيدهم أنه ليس هناك وجودان قديم وحادث، وخالق ومخلوق، وواجب وممكن، بل الوجود عندهم واحد بالعين، والذي يقال له الخلق المشبه هو الحق المنزه، بل الكل من عين واحدة، بل هو العين الواحدة، فوجود الكائنات هو عين وجود الله - تعالى -، ليس وجودها غيره ولاشيء سواه ألبتة٤. وتصور مذهب هؤلاء كاف في بيان فساده، ولا يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر، وإنما تقع الشبهة لأن أكثر الناس لا يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم، لما فيه من الألفاظ المجملة والمشتركة٥.

وقد رد عليهم شيخ الإسلام - رحمه الله - وبين حقيقة الاشتباه الذي وقعوا فيه، وأنه من أعظم الضلال الذي وقع فيه بنو آدم، قال - رحمه الله -: "فمن اشتبه عليهم وجود الخالق


١ - أهل الوحدة هم الذين يقولون بوحدة الوجود، أي أن الوجود واحد فالوجود الواجب للخالق هو الوجود الممكن للمخلوق، كما يقول ذلك ابن عربي، وابن سبعين، وغيرهما من أهل الوحدة، فهم يقولون إن الله لا يوجد مستقلاً عن الأشياء، وهو نفس العالم، والأشياء مظاهر لحقيقته الكلية أو مظاهر لذاته تصدر عنه بالتجلي. انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٢/٢٤٩، المعجم الفلسفي للحفني ص٣٨٠.
٢ - انظر: كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي ٢/١٤٦٩. وقد نقل هذا الكلام عن شارح القصيدة الفارضية.
٣ - موسوعة مصطلحات جامع العلوم لأحمد نكري ص٢٩٥، ٩٧٢ - ٩٧٣.
٤ - انظر: الصواعق المرسلة ٣/٩٣١ - ٩٣٢، مجموعة الرسائل لابن تيمية ١/٨٠، ٤/٦ - ٧.
٥ - انظر: مجموعة الرسائل لابن تيمية ٤/٥.

<<  <   >  >>