للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء"، ثم يقول أبو هريرة - رضي الله عنه -: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} الآية [الروم - ٣٠] "١.

وقد اختلف العلماء في معنى الفطرة في حديث أبي هريرة، وهي المذكورة في الآية السابقة على عدة أقوال منها:

القول الأول: أن الفطرة هي الإقرار بمعرفة الله - تعالى -، وهي العهد الذي أخذه عليهم في أصلاب آبائهم، حين مسح ظهر آدم فأخرج من ذريته إلى يوم القيامة أمثال الذر، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا بلى، فليس أحد إلا وهو يقر بأن له صانعاً ومدبراً وإن سماه بغير اسمه، قال - تعالى -: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف - ٨٧] فكل مولود يولد على ذلك الإقرار٢.

القول الثاني: أن معنى كل مولود يولد على الفطرة، أي أن الله فطرهم على الإنكار والمعرفة، وعلى الكفر والإيمان٣.

القول الثالث: أن الفطرة هي الإسلام لكنها خاصة بالمؤمنين؛ لأنه لو فطر الناس جميعاً على الإسلام لما كفر أحد منهم، وهذا خلاف ما دلت عليه النصوص من أنه - تعالى - خلق أقواماً للنار، وأن غلام الخضر طبع كافراً٤.

القول الرابع: أن الفطرة هي الخلقة التي خلق عليها المولود، من المعرفة بربه، فكأنه قال: كل مولود يولد على خلقة يعرف بها ربه، إذا بلغ مبلغ المعرفة، يريد خلقة مخالفة لخلقة البهائم، التي لا تصل بخلقتها إلى معرفة ذلك، ومثل هذا القول من قال: المراد بالفطرة، أن كل مولود يولد على السلامة خلقة، وطبعا، وبنية، ليس معها كفر ولا إيمان، ولا معرفة ولا إنكار، ثم يعتقد الكفر أو الإيمان بعد البلوغ٥.


١ - أخرجه البخاري في كتاب الجنائز باب إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه؟ وهل يعرض على الصبي الإسلام ١/٤١٦، ح ١٣٥٨، وبنحوه مسلم في كتاب القدر باب معنى كل مولود يولد على الفطرة ٤/٢٠٤٧، ح ٢٦٥٨.
٢ - انظر: تأويل مختلف الحديث ص٧٣ - ٩٥، التمهيد لابن عبد البر ١٨/٩٠ - ٩١، الدرء ٨/٣٥٩ - ٣٦٠، شفاء العليل ص٢٨٣.
٣ - انظر: التمهيد لابن عبد البر ١٨/٨٨، شفاء العليل ص٢٩٣، أحكام أهل الذمة ٢/٥٧٥ - ٥٧٦.
٤ - انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٤/٢٦.
٥ - انظر: التمهيد ١٨/٦٨ - ٧٠، درء التعارض ٨/٤٤٢، شفاء العليل ص٢٨٩ - ٢٩٩، أحكام أهل الذمة ٢/٥٦٨ - ٥٦٩.

<<  <   >  >>