للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أزلاً وأبداً، لذا رد عليهم أهل السنة، وبينوا الباطل الذي يعنونه بهذا المصطلح، ومن وجوه الرد عليهم:

أولاً: أن معنى الصدور والفيض عند الفلاسفة، معنى مبتدع، ليس وارداً في لغة العرب، ولا في كتاب الله، ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما هو اصطلاح اصطلحوا عليه.

ثانياً: معنى الواحد عندهم قد سبق بيانه١؛ وهو أن الله وجود مطلق لا صفة له، وقولهم إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، إنما يتم إذا أثبت موجوداً مجرداً لا صفة له، ولا نعت، وإلا فإذا كان الخالق موصوفاً بصفات متنوعة كالعلم، والقدرة، والكلام، والمشيئة، والرحمة، وبأفعال متنوعة كالخلق، والاستواء، ونحو ذلك، لم يكن واحداً عندهم بل كان مركباً وجسماً، وحينئذ فيقال لهم هذا الذي تسمونه واحداً لا حقيقة له في الخارج، وإنما هو أمر يقدر في الأذهان، لا يوجد في الأعيان، وهو نظير الواحد البسيط الذي يقولون بتركب الأنواع منه، فإن هذا الواحد الذي يثبتونه في الكليات، ويقولون إنه منه تتركب الأنواع الموجودة، هو نظير الواحد الذي يثبتونه في الإلهيات ويقولون هو مبدأ الوجود، وكلاهما لا حقيقة له في الخارج وإنما هو يقدره الذهن، كما يقدر الكليات المجردة، ومتى بطل واحدهم هذا، بطل توحيدهم، فبطل نفيهم للصفات، وبطل قولهم الواحد لا يصدر عنه إلا واحد٢.

ثالثاً: إذا تبين أن هذا الواحد ليس له حقيقة في الخارج، قيل لمن قال الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ ما معنى الصدور؟ أنت لا تعني به حدوثه عنه، ولا فعله له بمشيئته وقدرته، فعلاً يسبق به الفاعل مفعوله، وإنما تعني به لزومه له ووجوبه به، ونحن لا نتصور في الموجودات شيئاً صدر عنه وحده شيء منفصل عنه، كان لازماً له قبل هذا الوجه، بل ما لزمه وحده كان صفة له، فإذا لم يتصور هذا الصدور، ولا يعلم صدق هذا السلب في صورة معينة من صور هذه القضية الكلية، فمن أين تعلم هذه القضية الكلية؟ وإذا استدلوا على ذلك بالنار التي لا يصدر عنها إلا الإحراق، وبسائر الأجسام البسيطة كالماء، أو بالشمس التي يصدر


١ - انظر: البحث ص٢٨ - ٣١.
٢ - انظر: درء التعارض ٨/٢٤٧ - ٢٤٨.

<<  <   >  >>