للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالزمان، مساوقة المعلول للعلة، ومساوقة النور للشمس، وأن تقدم الباري - تعالى - عليه كتقدم العلة على المعلول، وهو تقدم بالذات والرتبة لا بالزمان١.

ويقول ابن تيمية إن المشهور من مقالة أساطين الفلاسفة، قبل أرسطو، هو القول بحدوث العالم، وإنما اشتهر القول بقدمه عنه، وعن متبعيه كالفارابي، وابن سينا، والحفيد، وأمثالهم٢. وهذا جلي من خلال تعريفهم للفظ القديم، وقولهم بأن الله علة العالم، وأن العالم معلول له. وقد رد على الفلاسفة في قولهم بقدم العالم كثير من نظار أهل السنة والمتكلمين؛ وتتركز وجوه الرد على بيان فساد تعريفهم للقدم، وعلى بطلان القول بقدم العالم وفق المعنى الذي يريدون، ومن وجوه الرد عليهم:

أولاً: أن لفظ القديم في اللغة المشهورة التي خاطبنا بها الأنبياء، يراد به ما كان متقدماً على غيره تقدماً زمانياً، سواء سبقه عدم أولم يسبقه، كما قال - تعالى -: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس - ٣٩] ، وقال - تعالى -: {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف - ٩٥] ، فلهذا كان القديم الأزلي، الذي لم يزل موجوداً، ولم يسبقه عدم أحق باسم القديم من غيره، وليس لأحد أن يجعل القديم، والمتقدم، اسماً لما قارن غيره في الزمان، لزعمه أنه متقدم عليه بالعلة، ويقول إنه متقدم على غيره، وسابق له بهذا الاعتبار، وإن ذلك المعلول متأخر عنه بهذا الاعتبار، ثم يحمل ماجاء من كلام الأنبياء، وأتباع الأنبياء، وعموم الخلق على هذا الاصطلاح لو كان حقاً، فكيف إذا كان باطلاً! ٣.

ثانياً: أن ابن سينا وأتباعه قد ناقضوا أنفسهم حين زعموا أن القديم الموجود بغيره يوصف بالإمكان؛ وإن كان قديماً أزلياً لم يزل واجباً بغيره. فالممكن لا يكون واجباً أزلياً، وقد صرح هو وأصحابه في غير موضع بنقيض ذلك، وأصحابه الفلاسفة المتبعون لأرسطو أنكروا ذلك


١ - انظر: تهافت الفلاسفة ص٢٢.
٢ - انظر: الصفدية ١/١٣٠.
٣ - انظر: الجواب الصحيح ٤/٤٨٣، الدرء ١/٣٧٤.

<<  <   >  >>