للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه، وقالوا إنه خالف به سلفهم، كما خالف به جمهور النظار، وخالف به ما ذكره هو مصرحاً به في غير موضع١.

ثالثاً: أن قولهم بقدم العالم يستلزم امتناع حدوث حادث، فإن القديم إما واجب بنفسه، أو لازم للواجب بنفسه، ولوازم الواجب لا تكون محدثة، ولا مستلزمة لمحدث، فالحوادث ليست من لوازمه، وما لا يكون من لوازمه يتوقف وجوده على حدوث سبب حادث، فإذا كان القديم الواجب بنفسه، أو اللازم للواجب لا يصدر عنه حادث؛ امتنع حدوث الحوادث٢.

رابعاً: أن لفظ القديم والأزلي فيه إجمال، فقد يراد بالقديم الشيء المعين الذي ما زال موجوداً ليس لوجوده أول، ويراد بالقديم الشيء الذي يكون شيئاً بعد شيء، فنوعه المتوالي قديم وليس شيء منه بعينه قديماً، ولا مجموعه قديم، فإذا كان المفعول مستلزماً للحوادث، لم يفعل إلا والحوادث مفعولة معه، وهي وإن كانت مفعولة فيه شيئاً بعد شيء، فالمحدث لها شيئاً بعد شيء إن أحدث مقارنها في وقت بعينه، لزم أن يكون محدثاً من جملتها، وهو المطلوب، وإن قيل هو مقارن له، قديم معه، بحيث يوجد معه كل وقت. قيل: فهذا لا يمكن إلا إذا كان علة موجبة له، لا محدثاً له، ولا بد أن يكون علة تامة، فيكون في الأزل مؤثراً تام التأثير، مستجمعاً لشروط التأثير لشيء معين، وإذا كان مؤثراً قديماً دائماً لشيء معين، كانت لوازم ذلك المعين معه، لا يمكن تأخر شيء منها عنه، لامتناع وجود الملزوم، بدون اللازم فيلزم وجود الحوادث كلها في الأزل٣، وهذا باطل.

خامساً: أن هؤلاء الفلاسفة يقولون العالم قديم أزلي، ومحدث، مخلوق. فيقال لهم: لم يستعمل أحد من الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، بل ولا أحد من سائر الأمم، لفظ الخلق إلا فيما كان بعد عدمه، وهو ما كان مسبوقاً بعدمه ووجود غيره، ومعنى هذا اللفظ معلوم بالاضطرار في جميع لغات الأمم. وأيضاً فاللفظ المستعمل في لغة العامة، والخاصة، لا يجوز أن يكون معناه ما لا يعرفه إلا بعض الناس. وهذا المعنى الذي يدعونه لو كان حقاً لم


١ - انظر: درء التعارض ٣/٢٤٧.
٢ - انظر: المرجع السابق ٢/١٥١.
٣ - انظر: الصفدية ٢/٤٧ - ٤٨.

<<  <   >  >>