للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وملكه ومخلوقه، امتنع أن يكون شيء من ذلك ذاته، فإن المملوك ليس هو المالك، والمربوب ليس هو الرب، والمخلوق ليس هو الخالق، ولهذا كان حقيقة قول الاتحادية أن المخلوق هو الخالق، والمصنوع هو الصانع، حتى إنه يمتنع عندهم أنه يكون الله رب العالمين، كما يمتنع أن يكون رب نفسه، إذ ليس العالمون شيئاً خارجاً عن نفسه عندهم، ومن كلام السلف والأئمة في الرد على هؤلاء، الأثر المشهور عن ابن المبارك أنه قيل له: بماذا نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق سماواته، على عرشه، بائن من خلقه، لا نقول كما تقول الجهمية أنه ها هنا في الأرض. وقول الإمام أحمد هكذا هو عندنا١.

ثانياً: يقول الرازي: "وأما القول بالاتحاد فهو أيضاً باطل، لأن الشيئين إذا اتحدا فهما حال الاتحاد إن كانا باقيين فهما اثنان لا واحد. وإن عدما معا كان الحاصل ثالثاً مغايراً لهما، وإن بقي أحدهما وفني الآخر امتنع الاتحاد أيضاً لأن الموجود لا يكون عين المعدوم، فثبت بما ذكرنا أن القول بالحلول والاتحاد باطل"٢.

ثالثاً: أن الاتحادية يجمعون بين النفي العام والإثبات العام، فعندهم أن ذاته لا يمكن أن ترى بحال، وليس لها اسم ولا صفة ولا نعت، إذ هو الوجود المطلق الذي لا يتعين، وهو من هذه الجهة لا يرى، ولا اسم له. ويقولون إنه يظهر في الصور كلها، وهذا عندهم هو الوجود الاسمي لا الذاتي، ومن هذه الجهة فهو يرى في كل شيء، ويتجلى في كل موجود، لكنه لا يمكن أن ترى نفسه، بل تارة يقولون ترى الأشياء فيه. وهم مضطربون لأن ما جعلوه هو الذات عدم محض، إذ المطلق لا وجود له في الخارج مطلقاً بلا ريب، فلم يبق إلا ما سموه مظاهر ومجالي، فيكون الخالق عين المخلوقات لا سواها، وهم معترفون بالحيرة والتناقض مع ما هم فيه من التعطيل والجحود٣.

رابعاً: مما يرد به على النصارى في الألفاظ التي يحتجون بها على الحلول؛ مثل كون الرب ظهر فيه أو حل أو سكن، فإن هذه الألفاظ موجودة عندهم في حق غير المسيح، بخلاف لفظ


١ - انظر: بيان تلبيس الجهمية ٢/٥٢٥.
٢ - الأربعين في أصول الدين١/١٦٦٧، وانظر: المطالب العالية ٢/١٠٥، الكليات ص٣٧.
٣ - انظر: بغية المرتادص٤٧٣.

<<  <   >  >>