للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يكون المحدث هو اللفظ ودلالته، كلفظ الهيولى، أو يكون المحدث هو استعمال ذلك اللفظ في ذلك المعنى، كلفظ أصول الدين، حيث أدخل فيه كل قوم من المسائل والدلائل ما ظنوه هم من أصول دينهم، وإن لم يكن من أصول الدين الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه١.

وأما التعبير بعبارات صحيحة، وإن لم تكن في الكتاب والسنة، فلا يكره إذا احتيج إليه، فالإمام أحمد لا يكره إذا عرف معاني الكتاب والسنة أن يعبر عنها بعبارات أخرى، إذا احتيج إلى ذلك، بل هو قد فعل ذلك، بل يكره المعاني المبتدعة، مما خاض الناس فيه من الكلام في القرآن، والرؤية، والقدر، والصفات، إلا بما يوافق الكتاب والسنة وآثار الصحابة والتابعين٢.

أما الجواب على من يطلق ألفاظاً محدثة مجملة، تحتمل حقاً وباطلاً، فيختلف الموقف باختلاف الشخص الذي تناظره على ثلاثة أقسام:

أولاً: إذا كان الشخص ممن يتقيد بالشريعة، فيقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "وأما إذا كان الكلام مع من يتقيد بالشريعة، فإنه يقال له: إطلاق هذه الألفاظ نفياً وإثباتاً بدعة، وفي كل منهما تلبيس وإيهام، فلا بد من الاستفسار والاستفصال، أو الامتناع عن إطلاق كلا الأمرين في النفي والإثبات"٣.

ثانياً: إذا كان المناظر في مقام دعوة الناس إلى قوله، وإلزامهم به، أمكن أن يقال له: لا يجب على أحد أن يجيب داعيا إلا إلى ما دعا إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما لم يثبت أن الرسول دعا الخلق إليه لم يكن على الناس إجابة من دعا إليه، ولا له دعوة الناس إلى ذلك، ولو قدر أن ذلك المعنى حق.

ومثال ذلك ما أجاب به الإمام أحمد - رحمه الله - مناظره أبا عيسى محمد بن عيسى برغوث٤حين ألزم الإمام بالتجسيم، وأنه إذا أثبت لله كلاماً غير مخلوق لزم أن يكون


١ - انظر: درء التعارض ١/٧٣.
٢ - انظر: المرجع السابق٧/١٥٥.
٣ - المرجع السابق ١/٢٣٢.
٤ - برغوث وهو رأس البدعة أبو عبد الله محمد بن عيسى الجهمي، أحد من كان يناظر الإمام أحمد وقت المحنة، صنف كتاب الاستطاعة، وكتاب المقالات، وكتاب الاجتهاد، وكتاب الرد على جعفر بن حرب، وكتاب المضاهاة، قيل توفي سنة أربعين ومئتين وقيل سنة إحدى وأربعين. انظر: السير١٠/٥٥٤.

<<  <   >  >>