للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المصدر الأول: العقل.

يعتمد المخالفون من المتكلمين والفلاسفة على العقل مصدراً رئيساً لمسائل العقيدة، بما في ذلك ألفاظ العقيدة ومصطلحاتها، ويقدمونه على الأدلة السمعية؛ لأنها _في نظرهم _دلائل لفظية، والدلائل اللفظية لا تفيد اليقين، وهذه هي الشبهة الأولى، والشبهة الثانية هي قولهم: إن العقل أصل السمع فيجب تقديمه عليه١.

ومن ذلك أنهم زعموا أن معرفة الله لا تنال إلا بالعقل، يقول القاضي عبد الجبار: "أما الثاني وهو الكلام في أن معرفة الله لا تنال إلا بحجة العقل، فلأن ما عداها فرع على معرفة الله - تعالى - بتوحيده وعدله، فلو استدللنا بشيء منها على الله والحال هذه، كنا مستدلين بفرع للشيء على أصله، وذلك لا يجوز"٢.

ويقول الغزالي: "كل ما دل العقل فيه على أحد الجانبين فليس للتعارض فيه مجال، إذ الأدلة العقلية يستحيل نسخها وتكاذبها، فإن ورد دليل سمعي على خلاف العقل، فإما أن لا يكون متواتراً فيعلم أنه غير صحيح، وإما أن يكون متواتراً، فيكون مؤولاً، ولا يكون متعارضاً، وأما نص متواتر لا يحتمل الخطأ والتأويل وهو على خلاف دليل العقل، فذلك محال، لأن دليل العقل لا يقبل الفسخ والبطلان"١.

ثم وضع الرازي تقديم العقل على النقل في قانون كلي اعتمده المتكلمون، وهو قوله: "اعلم أن الدلائل القطعية العقلية إذا قامت على ثبوت شيء، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك، فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة:

إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل، فيلزم تصديق النقيضينوهو محال.

وإما أن نبطلهما، فيلزم تكذيب النقيضين وهو محال.

وإما أن تكذب الظواهر النقلية وتصدق الظواهر العقلية.


١ - انظر: المطالب العالية ٩/١١٣ - ١١٤، محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للرازي ص٥١، أساس التقديس للرازي ص ٢٢٠ - ٢٢١، الأربعين في أصول الدين للرازي ص ٤٢٤، معالم أصول الدين للرازي ص ٢٢، المواقف للآيجي ص ٤٠.
٢ - شرح الأصول الخمسة ص ٨٨.
١ - المستصفى للغزالي ٢/١٣٧, ١٣٨.

<<  <   >  >>