للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإما أن تصدق الظواهرالنقلية وتكذب الظواهر العقلية، وذلك باطل، لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية، إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية: إثبات الصانع، وصفاته، وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وظهور المعجزات على يد محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولو صار القدح في الدلائل العقلية القطعية، صار العقل متهماً، غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج عن أن يكون مقبول القول في هذه الأصول. وإذا لم تثبت هذه الأصول، خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة.

فثبت أن القدح في العقل لتصحيح النقل، يفضي إلى القدح في العقل والنقل معاً، وإنه باطل. ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية، القاطعة بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال إنها غير صحيحة، أو يقال: إنها صحيحة إلا أن المراد منها غير ظواهرها، ثم إن جوزنا التأويل: اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم تجوز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله - تعالى -. فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات. وبالله التوفيق"١.

وعلى هذا اعتمد المتكلمون في ألفاظهم ومصطلحاتهم في العقيدة، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - عن الطوائف المخالفة لأهل السنة في مسائل العقيدة ومصطلحاتها: "ومثل هذا القانون الذي وضعه هؤلاء، يضع كل فريق لأنفسهم قانوناً فيما جاءت به الأنبياء عن الله، فيجعلون الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه هو ما ظنوا أن عقولهم عرفته، ويجعلون ما جاءت به الأنبياء تبعاً له، فما وافق قانونهمقبلوه، وما خالفه لم يتبعوه"٢.

ويقول عن اعتمادهم العقل في إثبات الألفاظ ونفيها: "..فإنكم تدعون أن هذه الأمور معلومة بالعقل لا بالسمع، وإطلاق الألفاظ ونفيها لا تقفون أنتم فيه عند الشرع، فالواجب على أصولكم أن ما علم بالعقل ثبوته، أو انتفاؤه، اتبع من غير مراعاة للفظ"٣.

ويقول الإمام أبو القاسم التيمي٤: "فصل ما بيننا وبين المبتدعة هو مسألة العقلفإنهم أسسوا دينهم على المعقول، وجعلوا الاتباع والمأثور تبعاً للمعقول، وأما أهل السنة؛


١ - أساس التقديس ص ٢٢٠ - ٢٢١ وانظر: المطالب العالية ٩/١١٦ - ١١٧.
٢ - درء التعارض ١/٦.
٣ - المرجع السابق٢/٤٣٢.
٤ - هو الإمام العلامة الحافظ إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد القرشي، التيمي، الطلحي، الأصبهاني، الملقب بقوام السنة، ولد سنة ٤٥٧هجرية، وتوفي سنة ٥٣٥ هجرية. انظر: السير ٢٠/٨٠، شذرات الذهب ٤/١٠٥، الأعلام ١/٣٢٣.

<<  <   >  >>