للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من يجب عليهم صيام رمضان]

أما مَن يلزمه الصوم فإنه مَن جَمَعَ ستة شرائط: ١/ الإسلام.

٢/ والبلوغ.

٣/ والعقل.

٤/ والقدرة.

٥/ والإقامة.

٦/ وانتفاء المانع.

أما الإسلام: فضده الكفر.

فالكافر لا يلزمه الصوم، أو نلزمه به، ولا نلزمه بقضائه إذا أسلم؛ لأنه قبل أن يسلم ليس من أهل العبادات، حتى لو صام لم يصح صومه، ولم يُقبل منه.

وأنه إذا أسلم فإننا لا نأمره بالقضاء، لقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال:٣٨] فإذا أسلم في أثناء الشهر لم يلزمه قضاء ما مضى، وإذا أسلم في أثناء اليوم لم يلزمه قضاء ذلك اليوم؛ ولكن يمسك بقية الشهر في المسألة الأولى، وبقية اليوم في المسألة الثانية.

أما العقل: فضده الجنون، وإن شئت فقل: ضده فَقد العقل، من جنون أو غيره:- فالمجنون ليس عليه صوم، وفاقد العقل لحادث أو كبر أو غير ذلك ليس عليه صوم، وليس عليه كفارة؛ لأنه قد رُفع عنه القلم، فليس من أهل التكليف.

وأما البلوغ: فضده الصغر.

فالصغير لا يلزمه الصوم؛ لكنه يختلف عن المجنون أو عن فاقد العقل، لأنه إذا صام صحَّ صومه، بل إن العلماء يقولون: يجب على وليه أن يأمره بالصوم ليعتاده، ويتمرن عليه، اقتداءً بـ السلف الصالح، الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصوِّمون أولادهم حتى إن الصبي ليبكي من الجوع، فيُعطى لعبة يتلهى بها إلى الغروب.

وأما القدرة: فضدها العجز.

وقد قسم أهل العلم العجز إلى قسمين: ١- عجزٌ مستمر.

٢- وعجزٌ طارئ غير مستمر.

فالعجز المستمر: كعجز الكبير عن الصوم، وعجز المريض مرضاً لا يرجى برؤه كالسرطان، والجُذام، وشبهه، فهؤلاء لا يلزمهم الصوم؛ لأنهم عاجزون عنه؛ ولكن يلزمهم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، وكيف يكون الإطعام؟ للإطعام صفتان: الصفة الأولى: أن يصنع طعاماً غداءً وعشاءً، ومعلوم أن الغداء يكون بعد رمضان، غداءً وعشاءً، ويطعمهم إياه، كما كان أنس بن مالك يفعل ذلك حينما كبر.

الصفة الثانية: أن يعطي كل واحد مُدَّاً من الأرز، ويَحْسُن أن يجعل معه لحماً أو شيئاً يؤدِّمه، والمُدُّ: مقابل خُمُس الصاع في صاعنا هنا في القصيم، وذلك لأن المُدَّ الموجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان ربع صاع النبي صلى الله عليه وسلم، الصاع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان أربعة أمداد، وصاع النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى صاعنا أربعة أخماس، بل يقل قليلاً.

أما القسم الثاني من العجزة، فهو: العاجز عن الصوم عجزاً طارئاً يُرجى زواله: فمن مرض مرضاً طارئاً بحمى أو غيرها، فهذا ينتظر حتى يُشفى، ثم يصوم، كما قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤] .

فإن قُدِّر أن هذا المرض تمادى به واستمر حتى مات فليس عليه شيء، لا إطعام، ولا صيام؛ وذلك لأن الله أوجب عليه أن يقضي، ولم يدرك القضاء، فصار كمن مات قبل دخول رمضان، لا يلزمه أن يُصام عنه، إلا إذا شُفي وقدر على الصوم؛ ولكنه تهاون حتى مات، فإنه يُقضى عنه بعدد الأيام التي قدر فيها على الصوم فلم يصم.

أما الشرط الخامس فهو: الإقامة.

الإقامة يعني: أن يكون الإنسان مقيماً: وضده المسافر، فالمسافر لا صوم عليه، يخيَّر بين أن يصوم ويفطر والصوم أفضل، إلا مع المشقة فالفطر أفضل؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:١٨٤] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم في السفر؛ إلا أنه أفطر لما شق على أصحابه.

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر في رمضان، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة) .

وأما انتفاء المانع فهو: ألا تكون المرأة حائضاً ولا نُفَساء، فإن كانت حائضاًَ أو نُفَساء فإنه لا يلزمها الصوم، بل لو صامت الحائض أو النُّفَساء لم يصح صومها، بإجماع المسلمين.

وإذا حاضت المرأة في أثناء نهار رمضان وهي صائمة بطل صومها، وإذا حاضت بعد غروب الشمس ولو بلحظة، فصومها صحيح، حتى لو أحست (بمغص) قبل أن تفطر ولكنها لم ترَ الدم إلا بعد الفطور فإن صومها صحيح؛ خلافاً لما يظن بعض النساء أنها إذا حاضت قبل أن تصلي المغرب بطل صوم يومها، فإن هذا لا أصل له، ولا صحة له.

هذه الشروط الستة، شروط من يجب عليه الصوم أداءً.

ومنها ما هو شروطٌ للوجوب أداءً وقضاءً مثل: الإسلام، والعقل، فإن فاقد العقل لا صوم عليه، لا أداءً ولا قضاءً، وكذلك الكافر لا صوم عليه، لا أداءً ولا قضاءً، البلوغ أيضاً شرط للوجوب أداءً وقضاءً، فالصبي لا يجب عليه الصوم، لا أداءً ولا قضاءً.

بقي الإقامة، والقدرة، وعرفتم التفصيل فيها.

وإلى هنا ينتهي درسنا لهذه الليلة.

ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الاستقامة على دينه، والثبات عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>