للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم الدخول إلى المعتكف بعد دخول العشر الأخيرة من رمضان]

السؤال

فضيلة الشيخ: من المعلوم لديكم أن الدراسة والأعمال لا تنتهي إلا بعد دخول العشر، فهل يصح الاعتكاف بعد مضي أول العشر، ثم إذا اعتكفت فمتى يكون دخولي في المعتكف ومتى يكون خروجي منه، هل أخرج ليلة العيد أم صباح العيد؟

الجواب

الذي يظهر لي أن الاعتكاف يتجزأ، وإلا فمن المعلوم أن الاعتكاف المسنون الذي جاءت به السنة أن يعتكف الإنسان جميع العشر من حين أن تغرب الشمس يوم عشرين من رمضان إلى أن تغرب الشمس آخر يوم من رمضان، هذا هو الاعتكاف الذي شرعه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والذي فعله.

وأما إذا اعتكف خمسة أيام من العشر من أولها وآخرها فهذا لا شك أنه اعتكف بعض المدة، فإن قلنا بأن الاعتكاف يتجزأ وأن الإنسان يمكن أن يتصدق بخمسة دراهم من عشرة صح أن يعتكف بعض العشر دون بعض، وإذا قلنا: إنه عبادة واحدة لا يمكن أن تتجزأ وأن الإنسان إذا جزأه فهو كمن سجد بلا ركوع أو ركع بلا سجود، فبناءً على ذلك لا يحصل له أجر الاعتكاف.

لكن الذي يظهر لي أنه يمكن أن يتجزأ، بمعنى أن الإنسان إذا فرغ من الدراسة اعتكف، ولكن لا يحصل على السنة الكاملة التي شرعها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته، وأما ما جاء من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استفتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه نذر أن يعتكف ليلة أو يوماً في المسجد الحرام؟ فقال له: (أوف بنذرك) فهذا لا يدل على أن الاعتكاف يوم أو ليلة من الأمور المشروعة للمسلمين والتي يطلب من الإنسان أن يفعلها، لكنها من الأمور الجائزة التي إذا فعلها الإنسان لا ينكر عليه، لكنها ليست من الأمور المشروعة.

فإذا قال قائل: ما هذه القاعدة التي ذكرت؟ هل يقر الإنسان على شيء غير مشروع؟ قلنا: نعم، يقر على شيء جائز لا ينكر، لكن ليس مطلوباً لا منه ولا من غيره، ونضرب لهذا مثالين: المثال الأول: (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يصلي بهم ويختم بـ (قل هو الله أحد) فسئل عن ذلك؟ فقال: لأنها صفة الله وأنا أحب أن أقرءها) فأقره النبي عليه الصلاة والسلام، لكن هل نقول: إنه يشرع لنا الآن في صلاتنا أن نختمها بـ (قل هو الله أحد) ؟ الجواب: لا.

لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: اختموا صلاتكم بـ (قل هو الله أحد) ولا كان هو يختم بـ (قل هو الله أحد) ، لكن رخص لهذا الرجل الذي حملته محبة الله على أن يختم بـ (قل هو الله أحد) .

المثال الثاني: (جاءه رجل فقال: يا رسول الله! إن أمي افتلتت نفسها -أي: ماتت بغتة- وأظن أنها لو تكلمت لتصدقت، أفأتصدق عنها؟ قال: نعم) .

وجاءه سعد بن عبادة يستئذنه في أن يجعل بستانه صدقة لأمه، فأذن له، فهل يقال: إنه يشرع للإنسان أن يفعل مثل هذا؟ أو نقول: لو فعل لم ننكر عليه؟ الجواب: الثاني.

ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً من المسلمين أن يقتطع من ماله لأمه أو أبيه إذا مات، لكنه أجاز ذلك.

وندب إلى أن ندعو له دون أن نجعل لهم شيئاً من أموالنا، فقال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) هذا هو الذي يظهر لنا في حديث عمر بن الخطاب حينما نذر أن يعتكف يوماً أو ليلة في المسجد الحرام فأذن له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أما الاعتكاف المشروع المسنون الذي يكون على تمام الاقتداء والاتباع للرسول عليه الصلاة والسلام فهو اعتكاف جميع العشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>