للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى: (الاستعاذة من فتنة المحيا والممات)]

(ومن فتنة المحيا والممات) فتنة المحيا، الإنسان -يا إخواني- ما دام حياً فالفتنة قد تدركه نسأل الله العافية، قد يفتن إما بشبهة وإما بشهوة، ولست أريد بالشهوة شهوة الجنس، الشهوة الهوى، يعني: قد يبتلى الإنسان بشبهه يلتبس عليه الحق فيضل، أو بهوى فيضل أيضاً، ولا تقل إني عالم لا يمكن أن أضل، قد لا تضل علماً ولكن تضل عملاً، ولهذا نقول: إن فتنة الدنيا إما في الجهل وإما في الهوى، إما شبهة تعتري الإنسان فيلتبس عليه الحق، وإلا شهوة سيئة يعني إرادة سيئة -نسأل الله العافية- يُفتن، ولهذا جاء في الدعاء المأثور (اللهم أرنا الحق حقاً) هذا العلم، (وارزقنا اتباعه) العمل.

فتنة الممات: لها معنيان: المعنى الأول: فتنة الإنسان في قبره، لأن كل إنسان ميت يفتن في قبره يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، أسأل الله أن يثبتني وإياكم بالقول الثابت، وفتنة الممات الفتنة التي تكون عند الموت، وإنما نص عليها مع أنها في حال الحياة لعظمها، لأن أشد ما يكون الشيطان حرصاً على إغواء بني آدم في تلك اللحظة نسأل الله أن ينجينا وإياكم منه، وأشد ما يكون الإنسان ضعفاً في تلك اللحظة قد ضاقت عليه الأرض وضاقت عليه النفس، ووصلت الحلقوم فهو في أمر لا نتصوره، لا يتصوره إلا من وقع فيه، والشيطان في هذه الحال يحرص غاية الحرص على إغواء بني آدم، حتى إنه ورد في بعض الآثار أن الشيطان يتمثل بأب الإنسان أمامه ويقول: يا بني! يا بني! يا بني! كن يهودياً تابعاً لموسى، فيكون يهودياً، يختم له بسوء الخاتمة، وكذلك يقول: كن نصرانياً تابعاً للمسيح، فيفعل نسأل الله أن يثبتنا وإياكم فالمسألة خطيرة.

وذكر في ترجمة الإمام أحمد رحمه الله إمام أهل السنة الذي نشهد الله على محبته هو وإخوانه من الأئمة، ذُكر أنه كان في سياق الموت يغمى عليه، فيقول: بعد، بعد، فلما أفاق قيل له: يا أبا عبد الله! ما هذا الذي تقول: بعد، بعد؟ قال: إن الشيطان إمامي يعض أنامله يقول: فتني يا أحمد -ما شاء الله- ولكني أقول: بعد بعد، لماذا؟ لأن الإنسان ما دامت روحه في جسده لا تؤمن عليه الفتنة، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: [من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة] وكم من أناس كانوا على الهدى المستقيم ثم ضلوا والعياذ بالله، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت.

<<  <  ج: ص:  >  >>