للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الراجح في مسألة قضاء دين الأموات من الزكاة]

ذكرنا قبل قليل أنه يجوز أن نقضي الدَّين عن المدين وإن لم يعلم، واستدللنا بأن الله قال: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة:٦٠] بـ (في) ، فهل يجوز أن نقضي من الزكاة دين الميت؟ حكى ابن عبد البر أنه لا يجوز دفع الزكاة في قضاء دين الميت بالإجماع، وأن العلماء أجمعوا على أنه لا يُقضى من الزكاة دَين على ميت.

وقال بعض العلماء: بل يُقضى منها دَين الميت؛ لأن قضاء الدين لا يُشترط فيه التمليك، حتى نقول: لابد أن يكون المدين حيَّاً؛ ولكن هذا القول ضعيف.

والصواب: ما عليه الجمهور، الذي حكاه بعضهم إجماعاً، أنه لا يُقضى من الزكاة دين على ميت، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الزكاة من أهل الأموال، ويؤتي بالرجل المدين ليُصلَّى عليه، ولم يُحفظ عنه يوماً واحداً أنه قضى دين الميت من الصدقة، مع أن الصدقات متوفرة؛ لكن لما فتح الله عليه واتسع المال عنده صار يقضي دين الميت ويصلي عليه، وهذا دليل واضح على أن الأموات لا يجوز أن تقضى ديونهم من الزكاة، وأيضاً فإن مقتضى العادة أن الناس يعطفون على الأموات أكثر مما يعطفون على الأحياء، فإذا قلنا بجواز قضاء الدين عن الميت، انهمك الناس في قضاء الديون عن الأموات ونسوا الأحياء، مع أن الديون تذل الأحياء ولا تذل الأموات، تذل الأحياء في حياتهم؛ لأن الدين ذل؛ إلا من مات قلبُه هذا ما يذله شيءٌ أبداً؛ لكن القلب الحي يكون دينه ذلاً، وإذا مات صار ديناً في ذمته.

فإذاًَ: يكون هناك جنايتان: إذلاله في حياته، وتعلق الدين بذمته بعد وفاته؛ لكن الميت ليس عليه إلى جناية واحدة فقط، وهو تعلق الدين، مع أن السنة تدل على أنه لا يوفى ديون الأموات من الزكاة.

ولهذا: القول الراجح بلا شك عندي ما عليه جمهور العلماء، وحكاه بعض العلماء إجماعاً بأنه لا يُقضَى دين الأموات من الزكاة، أما التبرع بقضاء دين الميت هذا شيء واسع، ولا أحد يمنع منه.

ثم قال الله تعالى: {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٦٠] أي: أن الله فرض علينا الزكاة، وأن نصرفها في هذه المصارف.

{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فلعلمه عزَّ وجلَّ ولحكمته جعل الزكاة في هذه الأصناف، ولم يُسند قَسمها لا إلى الرسول، ولا إلى مَن بعده.

وإلى هنا انتهى ما أردنا أن نتكلم فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>