للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهل الزكاة وبيان أحوالهم]

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإننا في هذه الليلة؛ ليلة الأحد الخامس عشر من شهر رمضان عام: (١٤١١هـ) نكمل ما نريد أن نتكلم عليه من مسائل الزكاة.

وموضوع الدرس هو: أهل الزكاة، بيانهم، وأحوالهم.

وذلك أن الزكاة لا تكون مقبولة عند الله حتى توضع في المواضع التي أمر الله أن توضع فيها، فمن وضعها في غير أهلها فكمن صلَّى الصلاة في غير وقتها، وحينئذ تكون مردودة عليه غير مقبولة منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه، غير مقبول منه.

ولم يجعل الله سبحانه وتعالى تقسيم الزكاة موكولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إلى مَن دونه من الأمة، بل تولى سبحانه وتعالى قسم ذلك بنفسه، وبيَّنه أكمل بيان، فقال سبحانه وتعالى في سورة التوبة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٦٠] يعني: أن الله فرض أن تكون الصدقات لهؤلاء، وهذا الفرض ناشئ عن علم وعن حكمة، ولهذا قال: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:٦٠] فهو سبحانه وتعالى أعلم بمن هو أهل للزكاة، وهو سبحانه وتعالى أحكم؛ حيث وضعها في موضعها.

نرجع إلى أول الآية فنقول: إن الآية قد صُدِّرت بـ (إِنَّمَا) وإِنَّمَا من أدوات الحصر، والحصر يعني: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه.

ويعني: أن هناك أشياء خرجت عن هذا المحصور؛ لأنه لو دخل كل شيء لم يكن للحصر فائدة، وانتبه لهذه النقطة؛ لأنه سيكون عليها عَود إن شاء الله في آخر الآية.

أقول: إن الحصر يفيد أن هناك شيئين: محصور فيه، وخارج عن الحصر؛ لأننا لو لم نقل بذلك لم يكن للحصر فائدة.

إذاً: فالزكاة محصورة في هؤلاء الأصناف الثمانية، لا تخرج عنهم، ومن أخرجها عنهم فقد وضعها في غير موضعها، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ) وما المراد بالصدقات؟ الزكوات؛ لأن كلمة صَدَقَة تُطلق على الزكاة الواجبة، وعلى صدقة التبرع، وعلى الإنفاق على الأهل، وعلى الإنفاق على النفس، كل مالٍ يُبذل لله فإنه صدقة، لكن المراد بالصدقات هنا: الزكوات، بدليل قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} [التوبة:١٠٣] .

وبدليل: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر كتب: [هذه فريضة الصدقة -يعني: الزكاة- للفقراء.

] اللام للتمليك والاستحقاق، أي: أنهم يملكونها على وجه الاستحقاق لها، فهم يملكونها على أنها حلال لهم، كما لو كسبوها بالبيع والشراء [.

للفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم] أربعة في نسق واحد، كل هؤلاء الأربعة داخلون في ضمن ما تقتضيه اللام، اللام من الاستحقاق والتمليك.

الفقراء والمساكين محتاجون؛ لكن الفقراء أحوج من المساكين، ودليل ذلك أن الله بدأ بهم في الاستحقاق، وإنما يُبدأ بالأهم فالأهم، والأَولى فالأَولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>