للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم)]

ثم قال بعد جُمَلٍ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:٥] .

قوله: {الْيَوْمَ} أي: وقت نزول هذه الآية.

أُحِلَ لنا الطيبات: كل طيب أباحه الله عزَّ وجلَّ وهذا من فضله وضد ذلك الخبيث، فكل خبيث فهو محرم علينا، وهذا من حماية الله لنا أن مَنَعَنا مما يضرنا؛ لأن الإنسان بشر ضعيف ظلوم جهول؛ لكن الله عزَّ وجلَّ حَمَاه مما يضره، فحرم عليه كل خبيث.

قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} .

مَن هُم الذين أوتوا الكتاب؟ الذين أوتوا الكتاب هم: اليهود والنصارى، كما قال الله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام:١٥٦] فأهل الكتاب هم: اليهود والنصارى.

طعامهم حلٌ لنا:- حسناً! ما هو طعامهم؟ يعني: الخبز، والتمر، والأرز، وما أشبهه؟! لا.

المراد بطعامهم: ذبائحُهم، كما قال ذلك عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ترجمان القرآن: [أي: ما ذبحوه، فهو حلال لنا] ولا نسأل، لا يلزمنا أن نسأل، وليس من حقنا ولا من المشروع لنا أن نسأل كيف ذبحوه، بل سؤالنا كيف ذبحوه من باب التنطع في دين الله، فإذا وُجِدَت ذبيحةُ يهودي أو نصراني فكُلْها، ولا تقل: كيف ذَبَحْتَها؟! ولا تقل: هل سَمَّيْتَ عليها؟! سؤالك هذا خلاف السنة.

فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد الوَرِعين؛ أهدت إليه المرأة في خيبر شاة فأكل منها، ولا قال: كيف ذبحتيها؟! ولا قال: هل سَمَّيْتِ الله عليها؟! وكذلك دعاه غلام يهودي إلى طعام؛ خبز وإهالة سنخة، وأكل ولم يسأل.

ورأى مع عبد الله بن مغفل رضي الله عنه جِراباً فيه شحم، في غزوة خيبر، رُمِي به فأخذه عبد الله بن مغفل، فالتفت، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يضحك حين قفز عبد الله وأخذه بسرعة وأقَرَّه على ذلك.

وجاءه قوم فقالوا: (يا رسول الله! إن قوماً يأتوننا بلحم، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سَمُّوا أنتم وكُلُوا) وكانوا حديثي عهد بكفر، لِتَوِّهِم مسلمين، وحديثُ عهدٍ بالكفر يَخْفَى عليه كثير من أحكام الإسلام، فقال: (سَمُّوا أنتم وكُلُوا) وفي هذا شيء من الانتقاد عليهم حين سألوا: هل يحل لنا هذا وإلاَّ لا؟! كأنه قال: لَسْتُم مسئولين عن فعل غيركم، ولا تسألوا عنه، اسألوا عن فعلكم، فعلكم أنتم إذا أردتم أن تأكلوا فسَمُّوا الله على الأكل.

إذا وَرَدَتْنا ذبيحةٌ من يهود أو نصارى

السؤال

كيف ذبحوها، أو هل سَمَّوا الله عليها، هذا خلاف السنة، وهو من التنطع في الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) ؛ لأن الإنسان الذي يتنطع في الدين يتعب ويبقى في قلق وفي شك، لو أراد الإنسان أن يسلك سبيل التنطع لقلنا: حتى الذي يُجْلَب في أسواق المسلمين يحتاج أن نسأل عنه، ربما أن الجزار ما سَمَّى! ربما أن الجزار لا يصلي، لا ندري، وكذلك أيضاً نسأل؛ جاء إنسان يعرض علينا سلعة نقول: تعال، ربما هذا غاصب للسعلة أو سارق، نحقِّق معه.

نقول: تعال، من أين جاءتك السلعة هذه؟! قال: والله! اشتريتها من فلان.

هات فلان.

من أين اشتريتها يا فلان؟! قال: من فلان.

هات فلان.

من أين اشتريتها؟! قال: والله! ورثتها من أبي.

ثم لازم ننظر أسباب الإرث، هي متوفرة أم لا، والموانع منتفية.

!! لو أراد الإنسان أن يتنطع في الدين تعب وهلك؛ لكن هذا من رحمة الله بنا، أن نُجْرِي الأمور على ظاهرها، وما دام الشيء وقع من أهله، فلا تسأل كيف وقع، هذه قاعدة شرعية، إذا وقع الشيء من أهله فلا تسأل كيف وقع، فالأصل السلامة وعدم القوادح، ولهذا قال: (سَمُّوا أنتم وكُلُوا) نعم لو جاءتنا ذبيحة لا ندري مَن ذبحها، ونحن في بلاد غير إسلامية، في بلاد -مثلاً- شيوعية، أو في بلاد وثنية، هنا نعم نسأل؛ لأن هذه بلاد غير إسلامية، وغير نصرانية، ليست من بلاد النصارى أو اليهود، فإذاً: لابد أن نسأل خوفاً من أن يكون الذابح ليس أهلاً للذبح.

ونقتصر على هذا القدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>