للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة في معرفة الناس اليوم لما في الأرحام وبعض ما يتعلق بمفاتح الغيب]

فإذا قال قائل: ما وجه كونها مفاتح للغيب؟

و

الجواب

الساعة: مفتاح الآخرة.

نزول الغيث: مفتاح حياة الأرض.

ما في الأرحام: يعني: يكون الإنسان في بطن أمه، أو أي حيوان في بطن أمه مفتاح الوجود في الحياة.

عمل الغد: مفتاح عمل المستقبل.

الموت: مفتاح الانتقال من الدنيا إلى الآخرة.

فلهذا صارت هذه الخمس مفاتح.

فإذا قال قائل: إنهم الآن يعلمون ما في الأرحام، هل هو ذكر أو أنثى! فهل يتعارض مع هذه الآية؟ الجواب: قد يقول بعض الناس يتعارض، وحينئذ إما أن نأخذ بالآية، أو نأخذ بما قالوا؛ لأن المتعارضَين لا يثبتان جميعاً، إذْ لو ثبتا جميعاً لم يكن هناك تعارض، فهل تأخذ بما دل عليه القرآن، أو بما هو واقع الآن؟ نأخذ بما جاء به القرآن وبما دل عليه؛ لكن الكلام: هل الواقع يعارض القرآن؟ لا، هذا شيء مستحيل.

لا يمكن أن يوجد شيء له حقيقة معلومة قطعاً فيعارض القرآن أبداً، مستحيل؛ لأن القرآن حق والواقع حق، والحقان لا يتعارضان؛ لأن كل شيئين نعتبرهما حقاً إن قلنا بتعارضهما فهذا إما جمع بين النقيضين، وإما رفع للنقيضين، وهذا كله من المستحيل.

وإذا حدث شيء يعارض القرآن في الظاهر وجب عليك أن تعيد النظر مرة بعد أخرى، ليتبين لك أنه لا معارضة، فإن عجزت عن الجمع، فالواجب عليك أن تقول: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:٧] وتقف؛ لأنه كل إنسان يستطيع أن يجمع بين الواقع والقرآن، قد يكون قاصراً لا يفهم، أو مقصراً لا يجتهد.

إذاًَ: كيف الجمع؟ نقول: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:٣٤] لم يذكر الله عزَّ وجلَّ مُتَعَلَّق العلم، وإن كان في بعض الأحاديث الإشارة إلى أن المراد العلم بالذكورة والأنوثة، ومعلوم أن الجنين علمه ليس بالذكورة والأنوثة فقط: بالذكورة والأنوثة، أن يخرج حياً أو ميتاً، أن يبقى في الدنيا طويلاً أو قصيراً، أن يبقى غنياً أو فقيراً، أن يبقى شقياً أو سعيداً، كل هذا ممكنٌ، كل هذا يتعلق بعلم الجنين، هل الناس يعلمون هذه الأشياء؟ أبداً، حتى الذكورة والأنوثة لا يعلمونها إلا بعد أن يكون ذكراً أو أنثى، أما قَبْلُ ما يعلمون؛ لأنه لَمَّا كان نطفة لا يعلمونه، حسب علمنا إلى الآن لا يعلمون، إنما يعلمون بعد أن يُخَلَّق، وإذا خُلِّقَ صار من عالم الشهادة لا من عالم الغيب؛ لكنه عالم من عالم الشهادة المحجوبة: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} [الزمر:٦] ؛ لكن لو نزيل هذه الظلمات الثلاث علمنا به أم لا؟ علمنا به، وشاهدناه.

إذاً: فهو بعد التخليق من عالم الشهادة المحجوبة، لولا هذه الحُجُب لعلمنا به، فإذا وُجدت أجهزة تنفذ من هذه الحجب فلا مانع أن يُعلَم أنه ذكر أو أنثى.

ثانياً: ينَزَّل الغيث: جاء في الحديث الصحيح: (لا يعلم متى ينزل المطر إلا الله) .

فهل هذا يعارض ما نسمع في الإذاعة: أن الطقس المتوقَّع يكون كذا وكذا وكذا؟ الجواب: لا، لا يتعارض؛ لأنه لا يمكن يتعارض القرآن مع الواقع إطلاقاً، كيف لا يتعارض؟ لأن العلم المذكور: أن الطقس مبني على شيء محسوس، ليس على علم غيب؛ لكنه لا يُعلَم إلا بأجهزة دقيقة، ليس كل واحد يعلم، فهناك -بإذن الله عزَّ وجلَّ- تكيُّفات للجو يكون بها صالحاً للإمطار، فيتوصلون بالأجهزة الدقيقة إلى معرفة هذه التكيُّفات، كما أننا نحن لو شاهدنا السماء مظلمة والغيوم ملبَّدة فإننا نتوقع نزول المطر، نتوقع المطر، إذاًَ: لا معارضة، لا معارضة بين الواقع وبين القرآن الكريم.

<<  <  ج: ص:  >  >>