للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة]

علم الساعة، وأنها سوف تقوم في اليوم الفلاني، وفي الساعة الفلانية، وفي الدقيقة الفلانية، هذا علمه عند الرب العلي الأعلى تبارك وتعالى، ومع ذلك فقد أطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على كل أمارات الساعة، وعلى كل علامات الساعة، وعلى كل ما يحدث في الكون من فتن وحروب وملاحم بين يدي الساعة، قال الله جل وعلا: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:٢٥٥] حتى لا يشعر أحد بأن هناك تعارضاً؛ لأنه قال: (إِلَّا بِمَا شَاءَ) وقال الله جل وعلا: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:٢٦-٢٧] ، وقال جل وعلا: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧] ، وقال جل وعلا في حق نبينا صلى الله عليه وسلم وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:١-٥] ، ولن نذكر -بإذن الله تعالى- حديثاً إلا وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا من الغيب الذي لا ينبغي أن نتكلم فيه إلا بدليل من الملك الجليل، أو من البشير النذير الذي يبلغ أمر ربه تبارك وتعالى، ففي الحديث الطويل الذي رواه مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان، ثم سأله عن الساعة، قال جبريل: متى الساعة؟ أمين السماء يسأل أمين أهل الأرض: متى الساعة؟ فقال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل، فقال جبريل: فأخبرني عن أماراتها.

فقال صلى الله عليه وسلم: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ... ) إلى آخره، فذكر في هذا الحديث بعض العلامات، وذكر علامات كثيرة في أحاديث أخرى.

فالشاهد أيها الإخوة والأخوات! أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا عن كل أمارات الساعة، وعن كل ما يحدث في الكون بين يدي الساعة، وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى، روى الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، يعني: إذا أراد أن يحفظ حديثاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه، ولا يقيد العلم إلا بالكتابة، قال: فنهتني قريش، فقالوا: إن رسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا، قال: فأمسكت عن الكتابة -أي: امتنعت- حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اكتب، فوالذي نفسي بيده! ما خرج مني إلا الحق) .

فهيا بنا ندخل على أحداث الواقع التي تعيشها الأمة، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد تكلم عن شيء من الأحداث التي تحدث الآن، والأحداث التي ستقع بعد ذلك، فهذا سيدنا حذيفة رضوان الله عليه يقول في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: (لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه، وجهله من جهله) ، وأنت الآن تنظر إلى شاشة التلفزيون عبر الأقمار الاصطناعية فترى الحدث يقع في أمريكا في التو واللحظة، بل في أي موقع في العالم، وقد رأينا ذلك بأم أعيننا في زماننا هذا، وكان المشركون يستكثرون أن يري الله نبيه المسجد الأقصى أمام عينيه؛ ليصف للمشركين أبوابه ونوافذه، وها نحن قد رأينا الآن على هذه الشاشة الصغيرة ما يحدث هنالك في التو واللحظة، فنبينا صلى الله عليه وسلم يكشف الله له الحجب، ويطلعه الله تبارك وتعالى على أحداث الكون، يقول حذيفة: (لقد خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم خطبة ما ترك فيها شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره، علمه من علمه، وجهله من جهله) ، وتدبر أعجب خطبة خطبها رسول الله! إنها أطول خطبة في التاريخ كله! والحديث رواه الإمام مسلم من حديث أبي زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ثم صعد المنبر؛ فخطبنا حتى حضرت الظهر) تصوروا! النبي عليه الصلاة والسلام يقف على المنبر من الفجر إلى الظهر يتكلم عن الأحداث التي كانت والتي ستكون! (فنزل فصلى بنا الظهر، ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى العصر، وصعد المنبر، فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن وبما سيكون، فأعلمنا أحفظنا) أي: أعلمنا بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو أحفظنا لما ذكره عليه الصلاة والسلام.

فهذا الواقع الذي تحياه الأمة من تداعي كل أمم الأرض عليها، وحال الهوان والذل التي تحياها الأمة، قد أخبرنا بها نبينا صلى الله عليه وسلم ووصفها وصفاً دقيقاً عجيباً، فتدبر معي ما رواه الإمام أحمد في مسنده والإمام أبو داود في سننه بسند صحيح من حديث ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها) فهلا تذكرت معي قليلاً طبقاً كنا نقدمه للطيور في بيوتنا في القرى، وتصور مشهد الطيور وهي تتسابق وتتقاتل؛ ليصل كل طائر إلى حبة أرز في هذا الطبق مثلاً، فقد صارت الأمة قصعة مستباحة لكل أمم الأرض، وتسابقت كل أمم الأرض؛ لتنهب من هذه الأمة الممزقة الذليلة المهينة، وتدبر كلامه صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: كلا، ولكنكم يومئذ كثير -الآن الأمة أكثر من مليار وربع- ولكنكم غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا، وكراهية الموت) لا توجد مهابة ولا توجد كرامة ولا توجد قيمة لهذه الأمة الآن، فالنبي صلى الله عليه وسلم يجسد الواقع الذي نعيشه اليوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>