للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وجوب السمع والطاعة عند سماع الآيات والأحاديث]

المؤمن الصادق لا يتفلسف ولا يتحذلق ولا يأخذ ولا يعطي، إن جاءه الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثل الأمر، وإن جاءه النهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتنب النهي، وتدبر القرآن -ويا ليتنا نفهم القرآن ونعيش مع القرآن- يقول الله تبارك وتعالى في حق المؤمنين: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:٥١-٥٢] ، وهذا هو شعار المؤمن، أن يقول: سمعنا وأطعنا دون نقاش ولا حرج في أن يطلب من أهل العلم أن يفهموه وأن يعلموه، لكن لا يجوز له ألبتة أن ينكر وأن يرد الأمر والنهي بدعوى أنه لا يفهمه، لا.

أنا أقبل الأمر وأقبل النهي، وإن التبس عليّ أمر بعد ذلك سألت أهل العلم، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣] ، لكن شعار المؤمن دائماً فوق أي أرض وتحت أي سماء أن يقول لله ورسوله: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:٢٨٥] ، وانظر إلى ما قال الله جل وعلا: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:٣٦] هذا شعار المؤمن والمؤمنة، فالله جل وعلا له الأمر وله الحكم، والرسول صلى الله عليه وسلم له أمر وله حكم، الله تبارك وتعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٩] أمر من الله لنبيه، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم به الأمة، فصار الأمر من القرآن والسنة، فيجب على الأخت الفاضلة المؤمنة الصادقة أن تمتثل الأمر وأن تلبس الحجاب امتثالاً لأمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن لا يصح أن تقول لي: أقنعني بالحجاب فهل أنت مقتنعة بالإسلام أم لا؟ إن كنت اقتنعت بالإسلام فهذا أمر ربك، وهذا أمر نبيك صلى الله عليه وسلم.

ثم هل تطلبين من طفلك الصغير إذا طلب منك نوعاً من أنواع الطعام أو لوناً من ألوان الشراب، فتقولين: أقنعني أولاً بأن الطعام هذا فيه فائدة لك.

أو: أقنعني أولاً بأن اللبن هذا لن يضرك؟! هذا مستحيل، وإنما تستجيب الأم على الفور لطلب ولدها، فكيف تطلب من نبيها صلى الله عليه وسلم وقد علمت أن الأمر صريح في القرآن وصحيح في السنة؟! كيف تطلب بعد ذلك من عالم من العلماء أن يقنعها بكلام ربها أو بكلام الصادق نبيها صلى الله عليه وسلم؟! ولنقرأ الآية مرة أخرى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:٣٦] .

قال الله جل وعلا في شأن من يسمع ويعرض: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} [النساء:٦٠] انظر إلى تعبير القرآن (زعم) ، وما أيسر الزعم! إنه سهل جداً {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النساء:٦٠] لم يكتفوا بأنهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل على رسول الله فقط، لا لكنهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل على رسول الله وما أنزله الله قبل ذلك على أنبيائه ورسله، فهو زعم عريض جداً {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:٦٠-٦١] ، فهذا حكم الله فيمن سمع عن الله أمره، وعن رسول الله أمره ثم صد وأعرض، تقول له: النبي عليه الصلاة والسلام حرم كذا.

والنبي عليه الصلاة والسلام حرم كذا فيقول: أنا أعرف أنه حرام، لكن أنا أرى أنه لا يمكن أن يتماشى هذا التحريم مع هذا العصر! فهذا الذي يقال، ورب العزة يقول في حقه الآيات التي ذكرتها: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:٦١] ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، (رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) ، فالذي يسمع ويصد ويعرض عن أمر الله وأمر رسول الله إنما هو منافق -والعياذ بالله- بشهادة رب العالمين الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.

من يدعي حب النبي ولم يفد من هديه فسفاهة وهراء فالحب أول شرطه وفروضه إن كان صدقاً طاعة ووفاء {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>