ومن صور الطاعة أيضاً: إن غضب الزوج فعلى الزوجة الوفية إن كان الخطأ منها، وكان هذا الخطأ سبباً في غضب الزوج أن تعجل وتبادر بالاعتذار بأسلوب جميل حتى يستشعر منه الزوج الأسف والندم الحقيقي، ولا يستشعر فيه الكبرياء والاستعلاء، أو أنها تريد أن تحصل حصيلة فقط، ولا يعنيها أن يرضى أو لا يرضى، فهذا الفعل منها ربما يغضب الزوج بسببه غضباً يفوق غضبه الأول، فإن كان الخطأ من الزوجة وكان هذا الخطأ سبباً في غضب الزوج؛ فلتبادر الزوجة بتواضع ورفق، فهذا زوجها وأقرب الناس إليها، بل ربما لا تستطيع المرأة أن تتجرد من ثيابها أمام أمها بعد الزواج وأمام أبيها، لكنها تعطي كل شيء وكل ما تملك لزوجها، وهذا هو الذي قال الله فيه:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة:١٨٧] ، هذا هو الميثاق الغليظ بين الزوج وزوجه، فالعلاقة الزوجية علاقة لا يستطيع عالم مهما أوتي من البلاغة والأدب والفصاحة والبيان أن يصفها؛ لأنها علاقة في غاية السمو في غاية الرقة.
إذاً: إن أخطأت الزوجة وأغضبت زوجها، فلتبادر بالاعتذار بأسلوب رقراق جميل، يستشعر منه الزوج فعلاً أن الزوجة حزينة لما بدر منها، أما إذا كان الخطأ من الزوج نفسه، وأنا أتصور أن الزوجة العاقلة المسلمة إن أخطأ الزوج لا تعاتبه في وقت غضبه؛ لأنها ستخسر القضية مرتين، لكن فلتصبر، بمعنى: أن تترك له المكان، وأن تخرج من الغرفة التي دار الحوار فيها واشتد وأخطأ الزوج بهذه الكلمات في حق زوجته، فلتترك المكان ولتنتظر قليلاً، وأنا على يقين أن الزوج إن كان مسلماً منصفاً عاقلاً فإنه بعد قليل جد سيراجع نفسه؛ لأن المؤمن سريع الغضب سريع الرضا، يغضب سريعاً ويرضى سريعاً، فسرعان ما يرجع هذا الزوج المسلم الوفي العاقل إلى زوجته بكلمات رقيقة: سامحيني يا أم فلان.
وإن عاد الزوج مغضباً وهي لا تعرف ما السبب، فعلى الزوجة العاقلة أن لا تتعمد وأن لا تلح على زوجها لتعرف سر غضبه، وما الذي حصل؟ لأن هذه الأسئلة ربما تزعجه وتغضبه، بل وربما تكون هذه الأسئلة بهذا الطرح سبباً جديداً من أسباب غضبه وانفعاله على الزوجة مرة أخرى، ولتتعلم الزوجة المسلمة العاقلة من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، يوم أن عاد إليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتعد ويرتجف جسده:(زملوني زملوني) ، (دثروني دثروني) ، بعدما عاد من الغار ونزل عليه جبريل بأولى كلمات السماء:(اقرأ) ، فغطته ودثرته، ولم تتكلم حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه وهدأت نفسه، واستقرت جوارحه، وبدأ يقص هو عليها ما حدث، يقول:(إني خشيت على نفسي يا خديجة، تقول له: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً) .
فـ خديجة رمز الوفاء، وسكن سيد الأنبياء، فيجب على كل مسلمة أن تتعلم من هذه القمة الشامخة، ومن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن الصالحات في كل زمان وفي كل حين, وأمة النبي صلى الله عليه وسلم أمة معطاءة، لا تخلو أبداً من هذا الفضل والخير والنساء الصالحات القانتات المؤمنات.
إذا كات الزوجة لا تعرف سر غضب زوجها فلتصبر قليلاً، حتى إذا هدأ فسيبدأ هو بنفسه؛ لأنه في أمس الحاجة إلى من يخاطبه ويحدثه، ويريد أن يتحدث مع نفسه، وأنتِ نفسه إن استشعر الزوج في زوجته العقل وسداد الرأي فإنه يأنس جداً بالحديث إليها، بل ويخرج لها كل ما في جوفه، وكل ما في صدره، ويبثها همومه وأحزانه وأشجانه وآلامه؛ لأنه ينتظر منها الكلمة الوقورة الهادئة الهادفة التي تبدد كثيراً من أحزانه وهمومه وآلامه.
تصوري لو أن زوجاً حدث بينه وبين رئيسه في العمل إشكال، وعاد إلى زوجته وهو مهموم، ودخل إلى فراشه، فصمتت واستقبلته بكلمات طيبة وابتسامة حانية، وتركته حتى ينام، ثم استيقظ من نومه فوجدها قد أعدت له طعامه وشرابه الذي يحب أن يشربه، ثم جلست إليه وقد هيأت نفسها بثوبها الحسن وطيبها الجميل، وجلست إلى جواره في لحظات تشعر فيها أنه قد استقر، وقالت له: يا أبا فلان! ما لي أراك مهموماً حزيناً؟ فسيبدأ الزوج في إخراج كل ما عنده.
هذه هي حدود الطاعة للزوج.
وأسأل الله سبحانه أن يرزق الأزواج والزوجات الطاعة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.