مقدم البرنامج: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن أكثر أهل النار النساء؛ وذلك بأنهن يكفرن العشير، فما معنى يكفرن العشير؟ الشيخ: إنه عكس الوفاء، ما أحلى الوفاء، وما أجملها وأروعها من كلمة، وهذا هو الحق الثالث للزوج المسلم على زوجته المسلمة، أن تكون زوجته وفية، فقد يصير الزوج الغني فقيراً، وقد يصير الزوج القوي ضعيفاً، وقد يصير الزوج الصحيح مريضاً، ويذهب مرضه وتذهب همومه وأحزانه وآلامه إذا وجد زوجة وفية تقف إلى جواره، لا تنسى ما كانت تعيش فيه معه من نعيم، فتشعره بأن الأيام دول، وتبين له أن الدنيا إلى زوال، وكما أنعم الله عز وجل علينا فإنه يختبرنا، والله سبحانه وتعالى يقول:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}[الأنبياء:٣٥] ، ويقول:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}[الحديد:٢٠] .
تذكّره بأن المال ظل زائل، وعارية مسترجعة ما دام أن ربنا سبحانه وتعالى قد منّ عليها بنعمة الدين ونعمة الإيمان، ونعمة الأولاد، وما دام الله عز وجل قد منّ عليها بقلب حي شاكر، وبلسان ذاكر، وما دام الله عز وجل قد رزقها الرضا، ورزقها زوجاً ما بخل عليها يوماً مما أعطاه الله كل هذه المعاني تحول ألم الزوج العضوي والنفسي إلى راحة، يشعر أنه في هذا البيت في واحة غنَّاء، يستشعر قيمة الوفاء وعظمته إذ رأى في هذه الهموم والأحزان زوجته وفية له، ولا تتنكر لفضله ولعطائه، ولم تنسَ قوته يوم كان قوياً، ولم تنسَ غناه يوم كان غنياً، ولم تنسَ رجولته وفحولته وإن حبسه المرض الآن، لم تنسَ كل هذا، فترد الزوجة بهذا الوفاء لزوجها كل معنى جميل، وتذكره بكل المعاني الجميلة، فيستشعر الزوج أصالة هذه الزوجة.
إن مما يحطم أي زوج ويقصم ظهره إذا كان كريماً مع امرأته سخياً في كل شيء، في كل لون من ألوان الحياة، إن تبدلت به الأيام وتحول الغنى إلى فقر، والقوة إلى ضعف، والصحة إلى مرض فإذا بامرأته هي الأخرى قد تحولت مع هذا التحول الخطير فتكون القاصمة.
قد لا يتأثر الزوج بكل ما سبق بقدر ما يتأثر إذا تغيرت زوجته هي الأخرى فتنسى كل صور الإحسان! انظر إلى هذه الصورة التي تناقض تماماً صورة الوفاء، فلا يشعر الزوج بشيء من الأمان، ويفقد الثقة في كل شيء؛ لأنه لم يجد هذا الوفاء وهذه الثقة في أقرب الناس إليه فيمن منحها كل ما يملك، من حب ووفاء وعطاء وسخاء ورجولة وبذل، فتتنكر له وتنسى كل شيء.
انظر بهذه النظرة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث زينب قالت:(خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت النار ورأيت أكثر أهلها النساء.
قالوا: يا رسول الله، يكفرن بالله؟ قال: بل يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان) .
أود من أحبابنا الذين ينظرون إلى الأحاديث النبوية نظرة عقلية متجردة، أن ينظروا إلى هذا الحديث من هذا المنظور، وأود أن لو خاطب كل واحد منهم نفسه بهذا الخطاب الذي ذكرت، ماذا يقول لو أعطى امرأته كل ما يملك ولم يبخل عليها بشيء، وفي لحظة من اللحظات لما تداولت به الأيام، وتحول غناه إلى فقر، وقوته إلى ضعف، ورأى امرأته هي الأخرى تتنكر له، وتنسى كل صور الإحسان التي بذلها إليها قبل ذلك؟! أرجو أن ينظر إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المنظور؛ حتى لا يرد أحد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد النظرة العقلية المجردة، (يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان) ، فالمرأة التي تكفر العشير وتكفر الإحسان امرأة لم تذق طعم الوفاء، ولم تعرف شيئاً عن الوفاء، وإن لم تتب إلى الله سبحانه وتعالى فهذا مصيرها الذي أخبر عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصادق الذي لا ينطق عن الهوى.
لماذا يكفرن العشير ويكفرن الإحسان؟ قال:(لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط) ؛ إنه اللؤم إنه خلق قبيح ذميم، يقصم ظهر أي زوج لكن إذا رأى الزوج زوجته وفية كريمة، صاحبة أصل كريم؛ فإنها تذهب آلامه وأحزانه، وتضمد جراحه.