[حسن العشرة وطيب الخلق]
أعظم حق للزوجة على زوجها: حسن الخلق، وإحسان العشرة.
ما قيمة المال عند الزوج، وما قيمة المنصب، وما قيمة الجاه، وما قيمة الشهادة التي حصلها الزوج ما قيمة ما يقدمه الزوج لزوجته من طعام وشراب وثياب، ووجاهة وجاه ومنصب، إن كان سيئ الخلق، بذيء اللسان، كثير السب واللعن والطعن؟! ما قيمة هذا بالنسبة للزوجة؟! لا شيء.
ما قيمة أن يقدم الزوج لزوجته كل ما تشتهيه من أمور الدنيا وهو في الوقت ذاته مملوء بالكبر والغرور، لا يعامل زوجته إلا بقسوة وغلظة وفظاظة فلا تسمع منه إلا الكلمة السيئة البذيئة؟! مداخلة: اعتقاداً منه أن هذه رجولة.
الشيخ: أبداً، كما سيتضح لإخواننا جميعاً من الأزواج، وكما سنتعرف على خلق أعظم زوج وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، فالزوجة تحتقر زوجها الذي يكثر السب واللعن والطعن والكلام البذيء والكلام الفاحش، فمن أعظم المفاتيح التي يفتح بها الزوج قلب زوجته: أن يكون حسن الخلق، ولا قيمة لكل ما يقدمه إن كان سيئ الخلق، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة -: (استوصوا بالنساء خيراً) ، أمر من رسول الله لكل زوج: (استوصوا بالنساء خيراً) .
بل وتدبر معي أنه في جبل عرفات في هذا اليوم الجليل الأغر المبارك الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليبين حرمة الأعراض وحرمة الدماء والأموال، ومع ذلك لم ينسَ أن يبين حرمة الزوجة المسلمة ومكانتها فقال عليه الصلاة والسلام، والحديث حديث طويل رواه مسلم من حديث جابر بن عبد الله، وفيه قال عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) ، وفي الحديث الذي رواه ابن حبان والحاكم والترمذي وغيرهم بسند صحيح من حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً) ، (وخياركم خياركم لنسائهم) .
أيها الأحبة! مَن مِن الأزواج لا يقدر إذا دخل على زوجته أن يلقي عليها السلام، فهو أمر لا يكلفه شيئاً على الإطلاق، حتى ولو فعل ذلك امتثالاً منه لأمر ربه وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال الله جل وعلا: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:٦١] ، فمن السنة إن دخلت بيتاً -حتى ولو لم تجد فيه أحداً- أن تلقي السلام، فإذا دخل الزوج على أهله فمن السنة أن يقول: السلام عليكم ورحمة الله.
وفي الحديث الذي رواه الترمذي وغيره بسند حسن، أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ أنس رضي الله عنه: (يا بني! إذا دخلت على أهلك فسلم؛ يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك) ، مهما كان حجم المشكلة بين الزوج وزوجه -أي: وزوجته- إذا دخل وقال: السلام عليكم ورحمة الله؛ حتماً ستبدأ العقدة الأولى من عقد المشاكل في الحل، فإذا خرج مرة ثانية وعاد وألقى السلام ستحل العقدة الثانية، وهكذا.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يا أنس! إذا دخلت على أهلك فسلم؛ يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك) .
مَن مِن الأزواج لا يقدر على أن يلقى امرأته إذا دخل عليها بوجه طلق؟ روى الإمام مسلم في الصحيح من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) وأولى الناس بطلاقة الوجه من الرجل هي امرأته؛ فهي أقرب الناس إليه.
وهناك من الأزواج من إذا دخل البيت اكفهر وجهه، ولا بد أن تقوم المرأة، ولا بد أن يستيقظ النائم، ويقف الجالس, وأن تحدث حالة من الطوارئ لمجرد أن الزوج قد دخل؛ بدعوى أن هذه هي الرجولة! كلا، ما كان هكذا نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو خير زوج عرفته الدنيا، بل بالعكس، كان رحيماً رقيقاً مؤدباً مهذباً، بل لقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه ما أحل الله له؛ إرضاءً لنسائه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل على زينب رضوان الله عليها يطيل المكث عندها، فدبت الغيرة في قلب عائشة وحفصة؛ فاتفقتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالتا: إن دخل رسول الله على واحدة منا، فلتبتعد عنه ولتقل: إني أجد منك رائحة مغافير، والمغافير: نبتة كانت تنبت في أرض المدينة لها رائحة ليست طيبة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على حفصة، فابتعدت عنه وقالت: إني أجد منك رائحة مغافير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والله ما أكلت شيئاً، والله ما أكلت إلا العسل عند زينب، ويخرج النبي صلى الله عليه وسلم من عند حفصة ليدخل على عائشة رضوان الله عليهن، فابتعدت عنه وقالت: يا رسول الله! ماذا أكلت؟ إني أشم منك رائحة مغافير، يعني: أنها تشم رائحة كريهة! وهو الطيب الذي كان عرقه أطيب من المسك بأبي هو وأمي وروحي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم ومسند أحمد بسند صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ -يعني: نام في وقت القيلولة- عند أم سليم، فاستيقظ النبي عليه الصلاة والسلام وأم سليم تسلت عرقه في قارورة -في زجاجة- فقال: ما تصنعين يا أم سليم؟ قالت: عرقك أطيب طيبنا يا رسول الله) .
وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: (خدمت رسول الله عشر سنين، فما قال لي: أف قط، وما قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟ يقول أنس: ووالله ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف رسول الله، وما شممت مسكاً ولا عنبراً أطيب من ريح رسول الله) ،ومع ذلك السيدة عائشة تقول له: (إني أجد منك رائحة مغافير، قال: والله ما أكلت شيئاً، والله ما أكلت إلا العسل عند زينب، ثم يقول: والله لا آكل العسل بعد اليوم) ؛ من أجل أن يرضي عائشة وحفصة رضوان الله على الجميع؛ فنزل عليه قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} لماذا تحرم ما أحل الله لك؟ {تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:١] .
انظر إلى هذا الخلق! فهناك من الزوجات من تستجدي من زوجها الكلمة الطيبة، وتتسول منه الابتسامة الحانية، في الوقت الذي تراه زوجته مع أهله وأقربائه وأصدقائه وأحبابه لطيفاً ظريفاً، ودودواً، لكنها إذا عاملته أو عاشرته وجدت منه الفظاظة والغلظة والقسوة، فأولى الناس بأن تلقاه أيها الزوج بوجه طلق هي زوجتك وامرأتك.
أيها الأحبة! مَن مِن الأزواج لا يستطيع أن يخاطب زوجته بالكلمة الطيبة؟ يا أخي! الكلمة الطيبة صدقة، كما جاء في الصحيحين من قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة) .
أخي! تستطيع بكلمة طيبة أن تحرم نفسك على النار بإذن العزيز الغفار، وأولى الناس بهذه الكلمة الطيبة هي رفيقة دربك، وشريكة حياتك، وهي الزوجة المسلمة، فهي أولى الناس بأن تسمعها الكلام الطيب الذي تسمعه لأصحابك وإخوانك وأقاربك وأهلك وأولادك، هي من أولى الناس بأن تسمع الكلمة الطيبة الحنونة الظريفة الرقيقة الرقراقة من الزوج، بل ستعجب إذا علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يداعب السيدة عائشة، يعني: يخاطبها بالكلمة التي تحبها، يقول لها: يا عائش، فيجب على الزوج المسلم أن يختار أرق الكلمات، وأجمل العبارات التي تسعد قلب امرأته.
ودعني أقول: المرأة هي المرأة، وأنا لا أقلل بذلك من قدرها على الإطلاق، وإنما أود أن أؤكد لإخواني من الرجال والأزواج أن المرأة مهما كان قدرها، ومهما كان شأنها؛ فإنها تحب على الدوام أن تسمع الكلمة الطيبة من زوجها، حتى ولو بثنائه على شراب تقدمه طعام تقدمه ثوب ترتديه، تنتظر المرأة من الزوج أن يعلق على فستانها، أن يعلق على تسريحة شعرها، أن يعلق على عطرها، أن يعلق على شرابها، أن يعلق على طعامها؛ فالكلمة الطيبة صدقة، فما ظنك إن كنت ستتصدق بهذه الكلمة على أقرب الناس إليك.
أيضاً: الزوج المؤمن الصالح هو الذي لا يخاطب امرأته بكلمات جارحة نابية، وهو الذي لا يتصيد الخطأ الصغير من أجل أن يجعل منه مشكلة ضخمة كبيرة؛ ليعنف ويوبخ ويقرع، وشتان بين زوج صالح ذكي يداعب زوجته ويقول لها: إن النساء رياحين خلقن لنا وكلنا يشتهي شم الرياحين وبين زوج عبوس يقول لامرأته: إن النساء شياطين خلقن لنا نعوذ بالله من شر الشياطين فأعظم حق وأول حق للزوجة على زوجها: أن يكون الزوج حسن الخلق، حسن العشرة.