للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا اتباعه]

وكل أحد من الناس يقول: أنا أحب الله، فالمرتشي يقول: أنا أحب الله.

والحرامي يقول: أنا أحب الله.

والعاصي يقول: أنا أحب الله.

فهل صدقوا في حبهم؟! لقد قال الله جل وعلا: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١] ، فالله تبارك وتعالى يحب أهل الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي) اتبعوا من؟ اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١] الآية، فمن حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نطيعه فيما أمر، وأن ننتهي عن كل ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وزجر.

وتدبر معي قول الله تبارك وتعالى وهو يبين هذين الحقين العظيمين للرسول صلى الله عليه وسلم في آية واحدة جامعة، فيأمر الله سبحانه وتعالى ويقول: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) أمر، وهذا حجة على من ينكر سنة النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: نحن يجب علينا أن نكتفي بالقرآن، ها هو القرآن يأمر الجميع أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى امتثال أمره: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:٧] أمر من الله سبحانه وتعالى، فالرسول عليه الصلاة والسلام له أمر وله نهي، وأمر الله سبحانه وتعالى أهل الإسلام وأهل الإيمان أن يمتثلوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجتنبوا نهيه، وأن يقفوا عند الحدود التي حدها -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- فقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:٧] .

فطاعة النبي صلى الله عليه وسلم طاعة لربه العلي، ومعصية النبي صلى الله عليه وسلم معصية لله، واقرأ معي قول الله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) هكذا، من يطع الرسول فقد أطاع الله، آية حاسمة: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:٨٠] ، وقال جل وعلا: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:١٣٢] ، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [المائدة:٩٢] (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) أي: احذروا أن لا تطيعوا أمره، واحذروا أن تخالفوه.

(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فوظيفته صلى الله عليه وسلم أن يبلغ، وأن يؤدي ما عليه لله تبارك وتعالى من حق الدعوة والإنذار والبلاغ.

ويقول ربنا وتعالى في آية جميلة يلخص فيها ثمرة الطاعة لحبيبه صلى الله عليه وسلم: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور:٥٦] ، وقال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧١] .

ومن أرق ما ثبت من الأحاديث الصحيحة ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) ، فهل يوجد أناس يكرهون دخول الجنة؟ نعم بنص الحديث: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) ، والذي لا يريد أن يدخل هو حر، (قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟!) من الذي يكره أن يدخل الجنة؟! فقال صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) ، فمسألة الزعم بأننا نحب رب العزة ونحب النبي عليه الصلاة والسلام دون أن نمتثل أمر النبي، ودون أن نجتنب نهي النبي إنما هو زعم يحتاج إلى قدم وساق، ويحتاج إلى أدلة على أرض الواقع.

وفي صحيح البخاري من حديث جابر بن عبد الله -وهذا حديث جميل- (أن ملائكة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم -أي: بعض الملائكة-: إنه نائم.

وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان) ، وهذه من خصائص سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان إذا نام تنام عينه ولا ينام قلبه.

(جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم.

وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان.

فقال بعضهم: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً.

قالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً وجعل فيها مأدبة -وليمة- وبعث داعية -أي: بعث داعية يدعو الناس ليدخلوا الدار وليأكلوا من المأدبة- فمن أجاب الداعية دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعية لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة.

فقال بعض الملائكة: أولوها له يفقهها -أي: وضحوا له الرؤية هذه وفسروا له هذا المثل- فقالوا: الدار الجنة، والداعي هو محمد، فمن أجاب الداعية -أي: من أجاب محمداً صلى الله عليه وسلم وامتثل أمره وأطاعه واجتنب نهيه وسار على طريقه- دخل الدار -أي: دخل الجنة- وأكل من المؤدبة فاستمتع بنعيمها، ومن لم يجب الداعية -أي: من أعرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن منهجه- لم يدخل الدار) لم يدخل الجنة، ولم يستمتع بنعيمها، فمحمد فرق بين الناس أو فرق بين الناس، فمن آمن بالله ورسوله فهذا هو الذي وعده الله بالسعادة والنعيم المقيم في الدنيا والآخرة، ومن كفر بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم فهؤلاء -نعوذ بالله من الخذلان- هم أهل الشقاء والضلال في الدنيا والآخرة، حتى وإن اغتر بعض الناس بسعادة وهمية لهؤلاء المجرمين من الكفرة بالدنيا، لا والله، فقد صدق ربي إذ يقول: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:١٢٣-١٢٧] ، فشعار المؤمن الصادق أن يقول لله ولرسوله القالة الجميلة قالة السابقين الأولين: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:٢٨٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>