لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم رحمة متجسدة في الناس لاسيما مع الأطفال، وأتمنى أن ينتبه إخواني وأخواتي في البيوت لأخلاق المربي الأول وأستاذ البشرية الأعظم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يتعامل مع الأطفال؟ وكيف كان يرحم الطفل؟ وكيف كان يربي الطفل؟ وهذا أمر مهم؛ لأننا الآن بكل أسف إذا أردنا الآن أن نربي أطفالنا وأولادنا نبحث عن كتب تربية غربية لا تتفق مع عقيدتنا ولا مع أخلاقنا، بل تصطدم اصطداماً مباشراً مع الدين والقرآن وخلق النبي عليه الصلاة والسلام.
ونحن لا نمنع على الإطلاق أن نربي أولادنا على كل ما هو جديد في عالم العلوم والتكنولوجيا، بل نحن نشجع أيَّ شيء يربي أولادنا على التقدم العلمي ما دام هذا لا يصطدم اصطداماً مباشراً أو غير مباشر مع عقيدتنا وقيمنا وديننا وأخلاقنا، بل إن أمتنا هي أمة العلم، ويجب على أولادنا وإخواننا أن يعلموا علم اليقين أنه في الوقت الذي كان فيه المسلمون ينطلقون انطلاقاً في الجانب العلمي كانت أوروبا ما زالت تعيش في الظلام، واقرءوا تاريخ الأندلس لتعلموا ذلك، لكن في الوقت الذي قفز فيه الأوروبيون بحضارتهم على هذه الأصول والجذور، تخلف المسلمون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! فأنا لا أنكر على الإطلاق أن نربي أولادنا على كل ما هو حديث في عالم التكنولوجيا وفي عالم التقدم والعلوم؛ بشرط ألا يصطدم ذلك مع قيمنا وأخلاقنا وديننا، لكنني أقول: الذي يؤلم القلب أننا قد نبحث في كتب التربية التي تصطدم مع عقيدتنا وأخلاقنا؛ لنربي على هذه الكتب أولادنا وأطفالنا، مع أن الأصل أن الله عز وجل قد رزقنا بمنهج تربوي كامل متكامل، كيف لا، والمربي الأول والأعظم محمد صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن؟! وكان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال في غاية الود والرحمة والرقة، وكانت وسيلة العقوبة آخر وسيلة يستعملها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأذكر لكم قصة وهي: أن رجلاً من الأفاضل اشترى أنتريهاً جديداً، وكان فاتح اللون، ولما وصل إلى البيت وضع (الأنتريك) في الصالة، وهو في غاية السعادة به والفرح، وذهب إلى عمله، وعاد في نفس اليوم فوجد (الأنتريك) قد تحول إلى كاريكاتير؛ لأن ولده البالغ من العمر أربع سنوات أمسك القلم الجاف -وهو لا يعي ولا يدرك- وحول (الأنتريك) إلى ألوان؛ بقي أربع ساعات يرسم رسومات وأشكال، ولما رأى الرجل المشهد ظل يصرخ ويصرخ، وقبل أن يعاقب الطفل عاقب أمه، ثم عاقب الطفل فضربه ضرباً شديداً، وليته اكتفى، وإنما ربط يد الطفل في رجل كرسي، ويده الأخرى في رجل الكرسي الأخرى بقسوة شديدة، وظل الطفل يصرخ ويصرخ، وأمه لا تجرؤ أن تقترب منه؛ لأنه أغلظ لها القول، وظل جالساً في غضب شديد حتى انقطع صراخ الطفل تماماً، فظنوا أنه نام! فأقبلت الأم فرأت عجباً!! رأت أن يد الطفل قد تحولت إلى اللون الأزرق الداكن، وقد أغمي على الطفل، فصرخت، فجاء المسكين أبوه يجري، وفك يده وحمله على كتفه، وأسرع به إلى أقرب مستشفى، وهنالك في المستشفى قرر الأطباء بتر الكفين!! وأنا أتمنى أن تتصوروا العذاب والألم والضنك الذي عاش فيه هذا الوالد وعاشت فيه هذه الأم بعد أن خرج الطفل بلا كفين.
إن هذا خلل في المنهج التربوي، وقد يأتيك مثلاً أحد إخوانك ومعه طفل أو طفلة، وتسأله: كم عمرك يا بني؟! قد يقول: عشر سنوات.
فتقول: ما شاء الله، كم تحفظ من القرآن؟ فيقول: الحمد لله؛ أحفظ عشرين جزءاً، فتنظر إلى ولدك وتقول: تسمع يا خايب! أنت وأبوك، انظر هذا يحفظ عشرين جزءاً، وأنت لا تحفظ إلا جزءاً وبمجرد ما ينصرف هذا الأخ الصديق وولده تضرب ولدك ضرباً مبرحاً، وتريد أن تختزل تقصيرك أنت في حق ولدك في سنوات مضت في دقيقة واحدة أو في ساعة واحدة! وهذا خلل في المنهج التربوي، فلماذا لا نرجع إلى المربي صلى الله عليه وسلم؛ لننظر كيف ربى الأطفال؟ وكيف تعامل مع الأطفال؟ فالطفل يحتاج إلى الرحمة والحنان والود، ولا حرج على الإطلاق أن تستخدم وسيلة التأديب، لكن اجعل هذه الوسيلة آخر وسيلة من وسائل التربية وبرحمة، ويكون العقاب متفقاً مع الجرم والخطأ.