روى مسلم في صحيحه أن رجلاً من الصحابة يقال له: معاوية بن الحكم السلمي رضوان الله عليه، هذا الصحابي دخل الصلاة يوماً خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان هذا الصحابي لم يعلم بعد أن حكم الكلام في الصلاة قد نسخ؛ لأنهم كانوا يتكلمون في الصلاة في أول الأمر، ولم يعلم هذا الصحابي بحكم النسخ، وليس في ذلك من حرج ولا إثم، فبعض الصحابة رضوان الله عليهم كان لا يبلغه الدليل في المسألة أو في كثير من المسائل.
فلما دخل هذا الصحابي الجليل معاوية بن الحكم السلمي الصلاة، وعطس رجل من القوم في الصلاة، فقال له معاوية: يرحمك الله وهو يصلي، ولم يردوا عليه؛ لأنهم تعلموا أن قضية الكلام بغير ما ثبت عن النبي في الصلاة قد نسخ.
فماذا قال سيدنا معاوية قال:(فرماني القوم بأبصارهم) نظروا إليه وهو يصلي، فقال:(واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟!) ، أي: لماذا تنظرون إليَّ هكذا؟! قال:(فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم يصمتونني -يعني: يريدون أن يسكتوني- قال: فسكت) -انظر ماذا يقول- يقول:(فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، فبأبي هو وأمي، والله ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن منه صلى الله عليه وسلم، والله ما كهرني -يعني: لم ينهرني- ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي: إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) ، انتهت القضية وانتهت المشكلة! فأتمنى من أحبابنا وإخواننا ممن شرفهم الله جل وعلا بالسير على طريق النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحركوا لدعوة الناس، نعم.
تحرك؛ لأنه لا يصلح أن نجلس في مساجدنا وفي مكاتبنا وبيوتنا، ونصدر الأحكام على الناس بالتكفير والتفسيق والتبديع والتضليل، فهذا لن يغير من الواقع شيئاً.