[رحمة النبي صلى الله عليه وسلم]
مداخلة: نحن مشتاقون في الحقيقة إلى الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الزمان قد أصبح العالم فيه مادياً وقاسياً وظالماً، ونحن محتاجون إلى الرحمة، فكلنا محتاجون إليها، فليتك تكلمنا عن رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم!! الشيخ: صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
لقد كان النبي عليه الصلاة والسلام رحمة لكل العالمين، وليس كما يفهم البعض من أنه صلى الله عليه وسلم كان رحمة للمسلمين فحسب، كلّا، هو رحمة للمسلمين ولغير المسلمين، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧] ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما: (رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للفاجر والبار) ، ما هذا؟ رحمة للبار؟ نعم.
مقبول، لكن النبي عليه الصلاة والسلام رحمة للفجار للكفار؟! لماذا؟ لأنه بمجرد أن بعثه ربه تبارك وتعالى، وعده بألا يعذب القوم ما دام رسول الله فيهم، قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:٣٣] .
فمن آمن به تبارك وتعالى فقد اكتملت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن كفر به رحم في الدنيا، ونجا من عذاب الدنيا، وبعد ذلك يعاقبه أو يحاسبه ربه بما شاء وكيف شاء في الآخرة.
ومن ثم كان الحبيب صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين: للفجار للكفار للأبرار الموحدين والمؤمنين المصدقين به صلى الله عليه وسلم.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ربه عز وجل رحمة، ولذلك قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا رحمة مهداة ... ) الحديث، وإن كان قد روي مرسلاً، إلا أن الحاكم قد رواه موصولاً بسند صحيح، وأقر الحاكم الذهبي وغيره.
وفي صحيح مسلم: (قالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: ادع الله على المشركين! فقال: إني لم أبعث لعاناً، إنما بعثت رحمة مهداة) ، صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
انظر إلى رحمته بالأمة عليه الصلاة والسلام: النبي عليه الصلاة والسلام جلس يوماً فقرأ قول الله تبارك وتعالى في سورة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم:٣٦] ، انظر إلى كلام سيدنا الخليل، هذا كلام إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، يقول: (رب إنهن أضللن كثيراً من الناس) ، يعني: الأصنام والآلهة المكذوبة المدعاة، (فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني) لم يقل: فانتقم منه فأهلكه، بل قال: (فإنك غفور رحيم) .
(فلما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية في حق خليل الله إبراهيم، وقرأ قول الله في عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:١١٨] ، بكى، فقال الله عز وجل لجبريل عليه السلام: يا جبريل! انزل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فسله: ما الذي يبكيك؟ فنزل جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: ما الذي يبكيك؟! فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: أمتي! أمتي! يا جبريل، أمتي! أمتي! يا جبريل، فصعد جبريل إلى الملك الجليل، فقال: يبكي على أمته -وهو أعلم جل جلاله- فقال الله تبارك وتعالى لجبريل: انزل وقل لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) .
فوالله ما كرمت هذه الأمة إلَّا لكرامة الله للمصطفى.
قال الشاعر: ومما زادني فخراً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا (انزل إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) ولذلك روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة مستجابة) ، أي: كل نبي له دعوة، وعده الله تبارك وتعالى أن يستجيبها، (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته إلا أنا، فإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله تعالى من مات لا يشرك بالله شيئاً) .