كان النبي صلى الله عليه وسلم قرآناً متحركاً في دنيا الناس كما قالت الفقيهة الحَصان الرزان الصديقة بنت الصديق عائشة رضوان الله عليها وهي تصف الحبيب صلى الله عليه وسلم هذا الوصف البليغ العجيب حين قالت:(كان خلقه القرآن) .
نعم، لقد كان الحبيب قرآناً متحركاً بين الناس، وهذا هو السر الحقيقي الذي جعل القلوب تتعلق به، وتشتاق إليه، وتهفو إليه، وتحن إليه، بل وتحترمه مع أنها قلوب أعدائه، فقلوب الأعداء أجلته وأحبته وأكرمته، لماذا؟ لأنه كان قرآناً متحركاً بين الناس، كان إذا أمر فهو أول من يأتمر، وكان إذا نهى فهو أول من ينتهي، وكان إذا حد فهو أول من يقف عند حدود الله تبارك وتعالى.
لما أمر بالعبادة قام متعبداً خاشعاً خاضعاً بين يدي الله حتى تورمت قدماه، فلما سئل عن ذلك قال:(أفلا أكون عبداً شكوراً؟!) .
ولما أمر بالبذل؛ أنفق كل ما يملك، حتى جاءه رجل ليسأله الصدقة؛ فأعطاه الحبيب غنماً بين جبلين، فعاد هذا الرجل إلى قومه ليقول:(يا قوم! أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر) .
أمرهم بالجهاد وبذل النفس؛ فكان في مقدمة الصفوف، لا يجبن ولا يتأخر، بل كان إذا اشتد الوطيس وحميت المعارك، وفر الشجعان، وصمتت الألسنة الطويلة، وخطبت السيوف والرماح على منابر الرقاب؛ قام الحبيب ينادي بأعلى صوته ويقول:(أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) صلى الله عليه وسلم.
من هنا تعلقت به القلوب؛ لأنه كان قرآناً متحركاً في دنيا الناس.