[من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم تصديقه فيما أخبر]
لقد أصبحنا اليوم في عالم الاكتشاف وعالم المشاهدة، فأي شيء يتكلمون عنه فنحن نصدقه، لكن أول ما نسمع حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غيبيات نجد ضعفاً، فيكذبه أحدنا سواء بلسانه أو بعقله؛ لأنه من الغيبيات وليس شيئاً مشاهداً.
إن من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا -وهذا حق جليل عظيم كبير- أن نصدقه في كل ما أخبر به، ومن حقك أن تسأل أهل العلم: هل هذا الحديث ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام بالضوابط التي يحكم بها علماء الجرح والتعديل على الأحاديث من حيث الصحة والضعف على المتن والسند؟ فمن حق المسلم والمسلمة أن يسأل: هل هذا الكلام فعلاً قاله النبي عليه الصلاة والسلام وثبت عنه؟ فإن تبين له بالأدلة أن هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فليعلم أنه من الواجب عليه أن يصدق خبر النبي الصادق الذي لا ينطق عن الهوى ما دام خبره متعلقاً بشرع الله جل وعلا وقد ثبتت صحته بالأدلة؛ لأن الذي شهد بصدق محمد هو الله {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا}[النساء:١٢٢]{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا}[النساء:٨٧] ؟! قال الله تعالى:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}[النجم:١-٥] ، فهذه شهادة من رب العزة لنبي صادق، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي، فالقرآن وحي، والسنة وحي، كما سنوضحه إن شاء الله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم:(إلا إني أوتيت الكتاب ومثله معه) ، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى}[النجم:٣-٥] ، وقال تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر:٧] .
ومن أجمل ما قرأت في هذا الباب ما رواه الإمام أحمد في مسنده، والإمام الحاكم في مستدركه وغيرهما بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:(كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه -فكل ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً يكتبه عبد الله بن عمرو - قال عبد الله بن عمرو: فنهتني قريش، قالوا له: إن رسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا وكل الذي يقوله تكتبه! قال: فأمسكت عن الكتابة -يعني: امتنعت-، ثم ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اكتب؛ فوالذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق) ، وأشار صلى الله عليه وسلم إلى فمه المبارك.