لقد كنت فِي بَدْء حياتك رجلا مُؤْذِيًا للنَّاس غير رَحِيم بهم متطولا عَلَيْهِم لكنك لما أَفَقْت من سباتك كَفَفْت عَن إيذائهم وَعدلت عَن سيرتك الأولى حَتَّى ان مَا قُمْت بِهِ من عمل الْخَيْر وبذل الصَّدقَات وإنفاق الْأَمْوَال على الْمُسْتَحقّين لم يقم بِهِ أحد فضلا عَن أدائك فَرِيضَة الْحَج قل لي بِأَيّ عمل بلغت الدرجَة الَّتِي أَنْت فِيهَا الان فَقَالَ أَيهَا الزَّاهِد لقد عجبت فِي أَمر الله تَعَالَى وَمن الْأَفْضَل أَن تعْتَبر أَنْت ايضا وَلَا تتكىء على الطَّاعَة وتغتر بِالْعبَادَة كثيرا اعْلَم أَن مَكَاني كَانَ معدا فِي جَهَنَّم للمعاصي الَّتِي كنت أرتكبها فِي شَبَابِي وَأَن لم تكن ثمَّة فَائِدَة لما قدمت من طَاعَة وأنفقت من خيرات بعد ذَلِك وان كل صَلَاتي وصومي قد رميت فِي وَجْهي وَأَنا فِي النزع الْأَخير وان الطَّاعَات وَالصَّدقَات والخيرات والمساجد والماوي والجسور وَأَدَاء فَرِيضَة الْحَج ذهبت كلهَا هباء منثورا وَأَن الياس بلغ بِي حدا قطعت مَعَه الأمل فِي الْجنَّة وايقنت أَن لَا بُد من عَذَاب النَّار والأصوات تتهادى إِلَى سَمْعِي ان لقد كنت كَلْبا من كلاب الدُّنْيَا لكننا غفرنا لَك ومحونا عَنْك جَمِيع مَعَاصِيك فأدخلناك الْجنَّة وحرمنا عَلَيْك النَّار بإحسانك إِلَى كلب خلعت لَهُ عَنْك رِدَاء الْكبر وَرَحمته وترفقت بِهِ ثمَّ رَأَيْت ملائك الرَّحْمَة اتين مُسْرِعين كالبرق فخلصوني من ايدي مَلَائِكَة الْعَذَاب ومضوا بِي إِلَى الْجنَّة ان ذَلِك الْعَمَل هُوَ الوحيد الَّذِي انتشلني من بَين طاعاتي كلهَا من حَال الشَّقَاء تِلْكَ
لقد ذكرت هَذِه الْحِكَايَة ليعلم سيد الْعَالم خلد الله ملكه أَن الْإِحْسَان خصْلَة جَيِّدَة حميدة فَفِي إِحْسَان مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الشَّاة والحاج الرئيس إِلَى الْكَلْب نالا مَا نالا من دَرَجَات فِي الدُّنْيَا والاخرة من هُنَا يعرف إِذن ثَوَاب الله عز وَجل لمن يحسن إِلَى مُسلم معوز وَيَأْخُذ بِيَدِهِ ولخشية ملك الزَّمَان ربه وتقديرة عواقب الْأُمُور فَمَا كَانَ إِلَّا عادلا فِي كل حَال وَمَا كَانَ الْعَادِل إِلَّا محسنا وكريما وَإِن يكن الْملك على هَذَا النَّحْو فَإِن جَمِيع عماله وأفراد جَيْشه يتبعُون منواله ويقتدرون بِهِ وَلَا جرم من أَن ينعم خلق الله ويجنوا ثَمَرَات هَذَا فِي الدُّنْيَا والاخرة إِن شَاءَ الله تَعَالَى
كَانَ من عَادَة الْمُلُوك اليقظين أَن يرعوا حُرْمَة المسنين المجربين جَوَاب الافاق وَأَن يتعهدوا الماهرين فِي الْأَعْمَال والعارفين بشؤون الْحَرْب بِأَن يجْعَلُوا لكل مِنْهُم مقَاما ومنزلة أثيرة لديهم لقد كَانُوا يتدبرون مَعَ الْحُكَمَاء والمسنين الَّذين طوفوا الافاق الْأُمُور الَّتِي ترتبط بشؤون المملكة ومصالحها وعمرانها وأبنيتها الرفيعة والأمور الَّتِي تتصل بترقية