وتصادف أَن الصاحب بن عباد كَانَ جَالِسا إِلَى فَخر الدولة حِين وصولهم فَسَأَلَهُمْ فَخر الدولة من أَنْتُم وَلم تذهبون إِلَى هَذَا المطل يوميا قَالُوا للتنزه قَالَ إِن التَّنَزُّه يكون فِي يَوْم أَو يَوْمَيْنِ اَوْ عشرَة لكنكم تترددون على هَذَا الْمَكَان يوميا مُنْذُ مُدَّة طَوِيلَة أصدقوني القَوْل قَالُوا لَيْسَ بخاف على الْملك وَلَا على أحد إننا لسنا لصوصا وَلَا مجرمين وَلَا نخدع نسَاء النَّاس ونغويهن أَو نختطف أطفالهم من على الطرقات ان أحدا لم يَأْتِ الْملك قطّ فِي يَوْم من الْأَيَّام يشكونا إِلَيْهِ عَن أَذَى وباطل ان يؤمنا الْملك على أَرْوَاحنَا وأنفسنا نخبره من نَحن قَالَ فَخر الدولة لقد أمنتكم على أرواحكم وَأَنْفُسكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وَأقسم على ذَلِك لِأَنَّهُ كَانَ يعرف أَكْثَرهم
لما حصلوا مِنْهُ على الْأمان وأمنوا على أَرْوَاحهم قَالُوا نَحن قوم من الْكتاب والمتصرفين الَّذين ظلوا عاطلين فِي عَهْدك ومحرومين من أَي نصيب فِي دولتك ان أحدا لم يولنا أَي منصب أَو عمل أَو حَتَّى يلْتَفت ألينا ونسمع الان بِظُهُور ملك بخراسان يُقَال لَهُ مَحْمُود يجتذب إِلَيْهِ ذَوي الْفضل والموهبة وَأهل الْعلم وَلَا يتركهم يهيمون على وُجُوههم
إننا نتطلع بامالنا إِلَيْهِ بعد أَن فَقدنَا الأمل فِي هَذِه المملكة واننا نصير إِلَى المطل يوميا لنشكو إِلَى بَعْضنَا بَعْضًا الدَّهْر ونسال كل من يصل إِلَيْنَا من جَانب مَحْمُود عَن أخباره ونكتب رسائل إِلَى أصدقائنا بخراسان نطلعهم على أحوالنا ونستفسر مِنْهُم تمهيدا للتوجه إِلَى هُنَاكَ فَلَقَد أضحينا فُقَرَاء وَنحن قوم ذَوُو عِيَال إِن الضَّرُورَة لترغمنا على ترك أوطاننا ومسقط رَأْسنَا وَبُيُوتنَا واختبار الغربة سعيا وَرَاء الْعَمَل هَذِه هِيَ حَالنَا وَالْأَمر الان أَمر مَوْلَانَا
لما سمع فَخر الدولة مِنْهُم هَذَا الْتفت إِلَى الصاحب بن عباد وَقَالَ مَاذَا ترى وَمَا الَّذِي يَنْبَغِي فعله قَالَ الصاحب لقد أَعْطَاهُم الْملك الْأمان وهم أهل قلم وَأَبْنَاء أنَاس أصلاء وإنني أعرف بَعضهم وَلِأَن أَمر أهل الْقَلَم مَنُوط بِي فليعهد إِلَيّ بهم لأتخذ مَا يلْزم نحوهم وسأتلو على مسامع مولَايَ الْكَرِيمَة أخبارهم غَدا فَأمر فَخر الدولة الْحَاجِب الَّذِي اتى بهم بِأَن يَأْخُذهُمْ إِلَى قصر الصاحب بن عباد وينزلهم هُنَاكَ وَمضى الْحَاجِب بهم إِلَى حَيْثُ أمره مَوْلَاهُ ووضعهم فِي قصر الصاحب وَعَاد لَكِن أُولَئِكَ الرِّجَال كَانُوا فِي حيرة واضطراب خوفًا مِمَّا سينزله الصاحب بهم من عُقُوبَة وَلما عَاد الصاحب من قصر فَخر الدولة إِلَى قصره هُوَ ألْقى عَلَيْهِم نظرة ثمَّ جَاءَهُم أحد الفراشين وَمضى بهم جَمِيعًا إِلَى حجرَة كَأَنَّهَا الْجنَّة فِي زينتها وفراشها الفاخر ومساندها المصفوفة وَقَالَ