للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَا تصرف خلافًا لهَذَا فَإِنَّهُ لأحب إِلَيْنَا أَن نتحمل وَطْأَة الْأَذَى وَالِاسْتِخْفَاف من مُسلم لَا من يَهُودِيّ

وَلما قَرَأَ أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر الرسَالَة قَالَ أيتسنى ليهودي يعِيش على وَجه الأَرْض سالما أَن يشْعر بالتفوق وَالْفضل على الْمُسلمين وَأمر بِأَن يكْتب إِلَى سعد بن أبي وَقاص اعزل ذَلِك الْيَهُودِيّ وول عمله مُسلما

وَلما قَرَأَ سعد الرسَالَة أَمر بندب خيال إِلَى الْعَامِل الْيَهُودِيّ أَنى وجد والمجيء بِهِ إِلَى الْكُوفَة ثمَّ بعث برسل اخرين إِلَى مُخْتَلف نواحي بِلَاد الْعَجم ليأتوا بالعمال الْمُسلمين من حَيْثُ يجدونهم إِلَى الْكُوفَة

لما أحضر الْيَهُودِيّ والعمال الاخرون جَمِيعًا لم ير سعد فِي عُمَّال الْعَرَب والعجم من الْمُسلمين من لَهُ الْقُدْرَة والكفاية على الْقيام بِعَمَل الْيَهُودِيّ وَلم يجد فيهم من يعرف أصُول الْمُعَامَلَة مثله أَو أَن لَهُ خبرته وَقدرته على تَحْصِيل الْأَمْوَال والإعمار وَمَعْرِفَة النَّاس والإحاطة بِمَا حصل وَمَا لم يحصل من خراج فاضطر إِلَى إبقائه على رَأس عمله وَكتب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ رِسَالَة تَقول لقد امتثلت أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ فأحضرت الْيَهُودِيّ وعقدت مَجْلِسا جمعت فِيهِ كل الْعمَّال والمتصرفين فِي ديار الْعَرَب والعجم فَلم يكن فِي الْعَرَب من لَهُ دراية بأحوال الْعَجم وشؤونهم أما عُمَّال الْعَجم فتبيين لي بعد استقراء أَن لَيْسَ فيهم من لَهُ كِفَايَة الْيَهُودِيّ ومهارته فِي الْمُعَامَلَة وَحسن نصرفه وإدارته ومعرفته النَّاس لقد اضطررت إِلَى إبقائه فِي عمله حَتَّى لَا يتسرب الْخلَل إِلَى شَتَّى أَنْوَاع الْمُعَامَلَات ولكي يسْتَمر تَحْصِيل الْأَمْوَال وَإِنِّي فِي انْتِظَار أَمر أَمِير الْمُؤمنِينَ

لما وصلت الرسَالَة الى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر وَقرأَهَا تملكه الْعجب فَقَالَ يَا للعجب يخْتَار غير مَا اخْتَرْت وَيرى غير مَا رَأَيْت وَتَنَاول الْقَلَم وَكتب فِي أَعلَى الرسَالَة نَفسهَا مَاتَ الْيَهُودِيّ ثمَّ أَعَادَهَا إِلَى سعد بن أبي وَقاص

إِن مَا عناه عمر بقوله مَاتَ الْيَهُودِيّ هُوَ هَب أَن الْيَهُودِيّ قد مَاتَ وكل نفس ذائقة الْمَوْت فالموت بِمَثَابَة الْعَزْل عَن الْعَمَل وَاعْلَم أَن الْعَمَل يجب أَلا يتَوَقَّف بِمَوْت أَي عَامل أَو عَزله بل يَنْبَغِي ندب رجل اخر لَهُ فَلم تظل عَاجِزا هَكَذَا

وَلما تسلم سعد الرسَالَة وَقَرَأَ توقيع عمر فِي أَعْلَاهَا عزل الْيَهُودِيّ فَوْرًا وَعين مُسلما مَكَانَهُ وتسلم الْمُسلم عمله فَتبين بعد سنة أَن مَا أنْجز على يَد الْعَامِل الْمُسلم أفضل بِكَثِير

<<  <   >  >>