عُيُون بابك إِلَيْهِ وَاتفقَ بابك ورهطه على أَن يشعلوها حَربًا شعواء بعد ثَلَاثَة أَيَّام أما الإفشين فَأرْسل إِلَى جيوشه الَّتِي كَانَ قد أمرهَا بالتراجع يَقُول تَعَالَوْا يَوْم لنزل لَيْلًا واختبئوا على بعد فَرسَخ وَنصف من على يَمِين الْجبَال والأدوية ويسارها وَحين أتظاهر بالهزيمة وابتع عَن الجيوش مَسَافَة بعيدَة فَإِن قسما من جَيش بابك سيلاحقني ويتفرغ الْقسم الاخر للإغارة على المعسكر ونهبه حِينَئِذٍ اخْرُجُوا من وَرَاء الْجبَال واستلموا طَرِيق الْوَادي لِئَلَّا يتمكنوا من العودة والوصول إِلَيْهِ وساعود حِين ذَاك
وَفِي يَوْم الْحَرْب أخرج بابك جَيْشه من الْمضيق وَكَانَ عدده أَكثر من مائَة ألف خيال وراجل فَبَدَا جَيش الإفشين حَقِيرًا ضئيلا فِي أَعينهم لِأَنَّهُ كَانَ قَلِيلا بِالنِّسْبَةِ لما كَانُوا قد رَأَوْهُ من جيوش ودارت المعركة وَحَارب الجانبان بضراوة وَقتل مِنْهُمَا عدد كَبِير فَلَمَّا رنحت شمس الْأَصِيل إِلَى المغيب لَاذَ الإفشين بالفرار عمدا وَلما ابتعد عَن المعسكر فرسخا قَالَ لحامل الرَّايَة قف وانصب الرَّايَة هُنَا وَأخذ كل من يصل إِلَى هَذَا الْمَكَان من الْجند يتَوَقَّف عِنْده اما بابك فَقَالَ لجنده لَا تشْغَلُوا أَنفسكُم بالغارة والغنائم قبل أَن نرتاح بَالا من الإفشين وجيشه نهائيا وَمضى الخيالة مَعَ بابك فِي إِثْر الإفشين أما الرجالة فعاثوا فِي المعسكر نهبا حِينَئِذٍ خرج الْعشْرُونَ ألف خيال من جَيش الإفشين من وَرَاء الْجبَال عَن الْيَمين وَعَن الْيَسَار وأذا الصَّحرَاء تموج بالخرمية فاستلموا طَرِيق الْوَادي وقطعوها عَلَيْهِم أَولا ثمَّ شرعوا سيوفهم وَعَاد الإفشين بِعشْرين ألف خيال فاحاطوا بِهَذَا بابك وَجُنُوده وَلم تفلح كل محاولاته فِي الْوُصُول إِلَى سَبِيل للفرار وَلما وصل الإفشين قبض على بابك وظل جنده يعبثون فِي الخرمية قتلا إِلَى صَلَاة الْعَصْر حَتَّى ناف مَا قتل مِنْهُم على ثَمَانِينَ ألف رجل ثمَّ ترك الإفشين على قلعة بابك غُلَاما بِعشْرَة الاف خيال وراجل وَعَاد هُوَ بالأسرى وبابك إِلَى بَغْدَاد الَّتِي أدخلوه إِلَيْهَا موسوما بعلامة خَاصَّة وَلما وَقعت عين المعتصم عَلَيْهِ قَالَ أَيهَا الْكَلْب لماذا أضرمت نَار الْفِتْنَة فِي الأَرْض وَلم قتلت الاف الْمُسلمين فَلم ينبس بابك ببنت شفة وَأمر المعتصم بِقطع يدية وَرجلَيْهِ جَمِيعًا وَلما قطعُوا إِحْدَى يَدَيْهِ وضع يَده الْأُخْرَى فِي الدَّم ولطخ بِهِ وَجهه إِلَى ان صيره أَحْمَر كُله فَقَالَ المعتصم يَا كلب أَي علم هَذَا أَيْضا قَالَ بابك إِن فِي هَذَا لحكمة فَقيل لَهُ قل أَيَّة حِكْمَة هَذِه قَالَ إِنَّكُم تُرِيدُونَ قطع يَدي ورجلي جَمِيعًا ان الدَّم هُوَ الَّذِي يَجْعَل وجنات النَّاس حمرا لكنه حِين ينْفد من الْجِسْم يصفر الْوَجْه وَأَنا إِنَّمَا حمرت وَجْهي بِالدَّمِ كي لَا يُقَال عِنْدَمَا ينْفد دمي إِن وَجهه غَدا أصفر خوفًا وخشية
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute