فترقرقت الدُّمُوع فِي عَيْنَيْهِ وَقَالَ لَهَا ليهدأ بالك فقد كَانَ الْمَوْضُوع يخصك وَحدك أما وَقد علمناه الان فَهُوَ مَنُوط بِنَا نَحن وعلينا عبئه سأوصلك إِلَى بغيتك وحقك أَولا ثمَّ أرسلك بعد ذَلِك إِلَى مدينتك لتستريحي عندنَا أَيَّامًا فقد قطعت طَرِيقا طَوِيلَة ثمَّ تلفت حواليه فَرَأى أحد فراشيه اتيا على بغله الموكبي فَقَالَ لَهُ أنزل وأركب هَذِه الْمَرْأَة وامض بهَا إِلَى إِحْدَى الْقرى وَسلمهَا إِلَى كبيرها ثمَّ عد وَحين نرْجِع من الصَّيْد خُذْهَا من الْقرْيَة إِلَى الْمَدِينَة واسكنها فِي بَيْتك وَاجعَل لَهَا من خزانتنا منوي خبز وَمن لحم يوميا وَخَمْسَة دَنَانِير ذهب شهريا إِلَى أَن نطلبها مِنْك فنفذ الْفراش مَا أَمر بِهِ
وَلما عَاد أنوشروان من الصَّيْد أمضى سَحَابَة يَوْمه يفكر فِيمَا يجب فعله لمعْرِفَة حَقِيقَة الْمَوْضُوع دون أَن يشْعر بِهِ أحد من كبار الدولة فَفِي قيلولة أحد الْأَيَّام وَالنَّاس نيام وَالْقصر خَال قَالَ الْملك لأحد خدمه اذْهَبْ إِلَى الْحُجْرَة الْفُلَانِيَّة وجيئني بالغلام فلَان فَذهب الْخَادِم واحضر الْغُلَام فَقَالَ لَهُ الْملك يَا غُلَام أَنْت تعلم أَن غلماننا اللائقين كَثِيرُونَ لكنني اخْتَرْتُك من بَينهم جَمِيعًا واعتمدت عَلَيْك فِي أَمر خُذ نفقات سفرك من الخزانة وامض إِلَى أذربيجان وَأنزل بِالْمَدِينَةِ الْفُلَانِيَّة فِي الْمحلة الْفُلَانِيَّة واقم هُنَاكَ عشْرين يَوْمًا ولتتظاهر أَمَام النَّاس إِنَّك جِئْت فِي طلب غُلَام فار وحيثما اسْتَطَعْت أَن تجالسهم وتعاشرهم وتختلط بهم وتتحدث إِلَيْهِم فِي سكر وصحو اسألهم لقد كَانَت فِي محلتكم هَذِه عَجُوز اسْمهَا فُلَانَة أَيْن ذهبت فَلَيْسَ من خبر عَنْهَا وماذا فعلت بارضها الَّتِي كَانَت تَملكهَا اضغ إِلَى كل مَا يَقُولُونَ واحفظه ثمَّ عد إِلَيّ بِحَقِيقَة الْأَمر إِنِّي مرسلك فِي هَذِه المهمة لكنني ساطلبك إِلَى البلاط غَدا وَأَقُول لَك فِي صَوت عَال يسمعهُ الْجَمِيع إذهب وَخذ نفقاتك من الخزانة وامض إِلَى أذربيجان فَكلما وصلت إِلَى مَدِينَة أَو نَاحيَة سل عَن غلات هَذَا الْعَام وفواكهه أنزلت بهَا الافات أم لَا كَذَلِك المراعي وأماكن الصَّيْد ثمَّ عد بِسُرْعَة وأطلعنا على مَا وجدت الْأُمُور عَلَيْهِ كل هَذَا حَتَّى لَا يعرف أحد بِالْأَمر الَّذِي ارسلك من اجله فَقَالَ الْغُلَام سمعا وَطَاعَة
وَفِي الْيَوْم التَّالِي نفذ أنوشروان مَا قَالَ وَمضى الْغُلَام فوصل إِلَى تِلْكَ الْمَدِينَة وَأقَام فِيهَا عشْرين يَوْمًا كَانَ يسْأَل كل من جلس إِلَيْهِ عَن أَحْوَال الْمَرْأَة الْعَجُوز فَكَانَ جوابهم جَمِيعًا لقد كَانَت إمرأة مستورة وأصيلة كُنَّا نرها فِي نعْمَة مَعَ زَوجهَا وَأَوْلَادهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute