يكون لَهُم من حَدِيث سوى أَن عضد الدولة يعذب رجلا كَبِيرا عَالما قَاضِيا دون حق فتشيع هَذِه السمعة السَّيئَة فِي الأرجاء عَليّ أَن أفكر فِي حل يثبت خِيَانَة القَاضِي وَيُعِيد إِلَى الرجل مَاله
وَلما مضى على هَذَا الحَدِيث شهر أَو اثْنَان وَلم ير القَاضِي لصَاحب الذَّهَب من أثر قَالَ لقد كسبت عشْرين ألف دِينَار لَكِن لأصبر سنة أُخْرَى فقد يُنْهِي إِلَيّ أحد خبر موت الرجل لِأَن حَاله الَّتِي رَأَيْته عَلَيْهَا تنم عَن أَنه سيقضي قَرِيبا
وَبعد مُضِيّ شَهْرَيْن على الْأَمر أرسل عضد الدولة فِي ظهيرة أحد الْأَيَّام وَقت القيلولة إِلَى القَاضِي من يستدعيه فاختلى بِهِ وَقَالَ أَيهَا القَاضِي أَتَدْرِي لماذا جشمتك عناء الْمَجِيء قَالَ الْملك أدرى قَالَ عضد الدولة اعْلَم أنني فِي تفكير دَائِم بالعاقبة والمصير وَلَقَد حرمت فِي هَذَا التفكير وَهَذِه السوداوية نعْمَة النّوم لَا معول على الدُّنْيَا ومملكتها وَلَا اعْتِمَاد على الْحَيَاة فالعاقبة لن تعدو أَمريْن فإمَّا أَن ينْقض علينا طَالب ملك وينتزع المملكة منا مِثْلَمَا انتزعناها نَحن من أَيدي الاخرين وَتَأمل مَا قاسيته حَتَّى اسْتَطَعْت الْوُصُول إِلَى الْملك مرّة وَاحِدَة وَإِمَّا أَن يَجِيء الْأَجَل بَغْتَة فَيُفَرق بَيْننَا وَبَين الْملك وَالسُّلْطَان قبل أَن تتَحَقَّق أمالنا ان كل نفس ذائقة الْمَوْت وَمَا الْعُمر إِلَّا صحيفَة أَعمالنَا فَإِن نَكُنْ صالحين نحسن إِلَى عباد الله سيظل النَّاس يذكروننا بِالْخَيرِ ويكيلون لنا الثَّنَاء مَا بقيت الدُّنْيَا وسننال ثَوَاب الاخرة وَإِلَى الْجنَّة وَنعم الْمصير وَإِن نَكُنْ أشرارا نسيء إِلَى الْعباد سيظلون يذكروننا بِالشَّرِّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَنَّهُمْ كلما ذكرونا يلعنوننا وَيدعونَ علينا وَلنْ نجد يَوْم الْقِيَامَة غير الويل وَالْعَذَاب وَإِلَى جَهَنَّم وَبئسَ الْمصير إِن كل مَا يُمكن فعله أَن نجهد فِي الطَّاعَة وإنصاف الْخلق وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم
وَمَا أقصده من حَدِيثي إِلَيْك هُوَ أَن فِي قصري عددا من الْأَطْفَال وَالنِّسَاء خَاصَّة وَأمر الذُّكُور ايسر لأَنهم كالطيور يَسْتَطِيعُونَ الِانْتِقَال من إقليم إِلَى اخر إِن خطب هَؤُلَاءِ المخدرات أَسْوَأ فهن ضعيفات لَا حول لَهُنَّ وَلَا قُوَّة إِنَّنِي لقادر الْيَوْم على التفكير فِي أمرهن لكنه قد يدركني الْأَجَل غَدا أَو يفلت الْملك مني فَلَا أَسْتَطِيع أَن أقوم لَهُنَّ بِشَيْء
لقد فَكرت فِي الْأَمر مَلِيًّا فَلم أجد فِي كل أرجاء المملكة الْيَوْم من هُوَ أتقى وَأكْثر أَمَانَة وتدينا وخوفا من الله وأقصر يدا مِنْك إِنَّنِي أَرغب فِي أَن أَضَع عنْدك مِائَتي ألف ألف دِينَار ذَهَبا نَقْدا وجواهر وَدِيعَة لَا يعلمهَا سوى الله عز وَجل وَنحن الِاثْنَيْنِ فَإِذا مَا جَاءَنِي أَجلي ووصلت بِهن الْحَال إِلَى حد لَا يقدرن مَعَه على كسب قوتهن اليومي ادعهن