ومن الأدلة أيضًا: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} فهنا عندنا مفسدتان ومصلحتان تعارضتا: فالمفسدة الأولى: هي نكاح الأمة، ووجه المفسدة فيها هو رق الولد واشتغالها بخدمة سيدها، فلا يحصل لزوجها من السكن إليها والإيواء ودوام المعاشرة ما تَقَرُّ به عينه، وتسكن به نفسه. والثانية: هي أنه لو لم ينكحها لخيف عليه من الوقوع في المحظور وهو الزنا أو اللواط أو نكاح اليد، فهنا مفسدتان تعارضتا فقدمت الشريعة اجتناب أشدهما بفعل أخفهما فأباحت نكاح الأمة بشرطه المعروف مع أنه مفسدة دفعًا للمفسدة الكبرى وهو الوقوع في الحرام. وأما المصلحتان المتعارضتان: فالأولى: حفظ النفس من الوقوع فيما حرم الله من الزنا ونحوه. والثانية: ترك نكاح الأمة، والأولى أكبر مصلحة فنظرت إليها الشريعة وغضت الطرف عن الأخرى فأجازت نكاح الأمة مراعاةً للمصلحة الكبرى وهو حفظ النفس من الوقوع في المحظور.
فهذه الآية وهذا الحكم من العلي الحكيم مبني على دفع أعظم المفسدتين بفعل أدناهما وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما.