إما أن يكون انتقال ضرورة، وإما أن يكون انتقال رخصة فإن كان الانتقال انتقال ضرورة فإننا نأمر من قدر على الأصل بعد تعذره أن ينتقل إليه ولو بعد الشروع في البدل لأن الانتقال إلى البدل في هذه الحالة أجازته الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، وقد زالت هذه الضرورة بالقدرة على الأصل، فعاد الحكم كما كان، أما إذا كان الانتقال انتقال رخصة وتوسعة على المكلف فإنه لا يلزم بالانتقال إلى الأصل عند القدرة على الأصل؛ لأن المقصود هو التوسعة على المكلف وإلزامه بالانتقال إلى الأصل بعد الشروع في البدل منافٍ لهذا المقصود فقلنا: يجزئه البدل،والذي يدل على إرادة التوسعة والرخصة هو أن المكلف قادر على أن يأتي بالأصل لكن مع نوع كلفةٍ ومشقة، فنزل المكلف منزلة عدم القادر لوجود هذه الكلفة والمشقة، إذًا الشريعة تريد إزالة هذه الكلفة والمشقة عنه فرخصت له الإتيان بالبدل، إذًا صار الانتقال إلى البدل انتقال رخصة لا ضرورة.
هذا هو الضابط من ناحية التنظير، ويبقى أن نخرج الفروع عليه لنرى هل هي متجهة موافقة للدليل أم لا؟
فأقول: منها: من قدر على الهدي بعد الشروع في الصيام فهل يلزمه الانتقال إلى الهدي أم لا؟ نقول: إن الانتقال من الهدي إلى الصيام انتقال رخصة لا انتقال ضرورة بدليل أن المكلف قد يقدر على الهدي لكن بنوع كلفة كشرائه بدين في ذمته، أو استلاف ثمنه، أو كطلبه من مظانه من المتصدقين والمحسنين لكن هذا لا يلزمه فإذا تيقنا أنه انتقال رخصة فنقول: يستمر في الصوم ولا يلزمه الانتقال إلى الأصل وإن خالف وانتقل إلى الأصل فإنه يجزئه عندنا أي المذهب لأنه قد جاء بالأصل المأمور به وخرج من العهدة بفعله، وليس الصيام عبادة لا يجوز قطعها وهذا واضح والله أعلم.