ومنها: من قدر على الحج بنفسه بعد شروع وكيله في الإحرام فهل يلزمه الانتقال إلى الأصل أم لا؟ نقول: إن الانتقال من الحج بالنفس إلى الحج بالغير انتقال رخصة لا انتقال ضرورة بدليل أن المكلف قد يقدر على الحج بنفسه لكن بنوع كلفة ومشقة كحمله والتوكيل عنه في الرمي ونحوه، أو أن ينتظر لعله يبرأ، لكن كل هذا لا يجب عليه فدل على أن الأمر رخصة وتوسعة، فنقول: يجزئه فعل وكيله ويسقط عنه الحج الواجب وإن أراد أن يحج عن نفسه بعد القدرة فله ذلك وتنقلب حجة وكيله نفلاً عن نفسه، والله أعلم.
ومنها: من قدر على إحدى خصال الكفارة بعد الشروع في الصوم فإنه لا يلزمه الانتقال لها ويجزئه التكفير بالصوم لأن الانتقال هنا انتقال رخصة بدليل أن الحالف قد يقدر على التكفير بإحداها ولكن بنوع كلفة ومشقة، والله أعلم.
وعلى ذلك فقس، فإذا لاح لك أن الانتقال انتقال رخصة فاعلم أن البدل بعد الشروع يجزئ ولو قدر على الأصل كما في الأمثلة الماضية.
وأما إذا لاح لك أن الانتقال انتقال ضرورة فاحكم ببطلان البدل عند القدرة على الأصل وإليك فروع ذلك فأقول:
منها: المرأة الحائض عليها أن تعتد بالحيض لكن إذا ارتفع إن كانت تدري ما رفعه فتعتد سنة كاملة، وإن كانت لا تدري ما رفعه فإنها تعتد عدة الآيسة والصغيرة ثلاثة أشهر، فإذا نزل حيضها بعد الشروع في الأشهر فإنه يلزمها أن تنتقل إلى الأصل الذي هو الاعتداد بالحيض لأن هذا الانتقال من الحيض إلى الأشهر انتقال ضرورة، يعني لم يجيزوا لها الانتقال إلى الأشهر إلا بعد التأكد التام من انعدام الأصل ولذلك قالوا: من ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه تعتد سنة كاملة حتى تتأكد أنها ليست ممن يحيض وليست حاملاً، إذاً لاح لنا أن الانتقال انتقال ضرورة فألزمناها بالانتقال إلى الأصل عند القدرة عليه.