للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعرفة وتفسير وجود الأشياء بغير الالتجاء إلى الله؛ وفصل بين النفس والجسم، فاستحال عليه تفسير التفاعل بينهما؛ وجرد الماديات من كل قوة ورّدها امتدادًا فحسب, تجري الحركة فيه من جزء إلى جزء، فمحا العلية من الطبيعة. فلما شرع مالبرانش يفكر على هذا الأساس، أرجع المعرفة إلى رؤية في الله فجعل من الله المعقول الأوحد؛ وأثار مسألة العلية صراحة فقصر العلية على الله وجعل من الله الفاعل الأوحد؛ وكاد أن يجعل من الله الموجود الأوحد بعد أن قال: إن الامتداد المحسوس جزء من الامتداد المعقول الذي هو فكرة في الله أو امتداد إلهي. وقد جرى قلمه بكثير من العبارات التي تشعر بوحدة الوجود، منها قوله: "الامتداد عين، وجميع الأعيان موجودة في اللامتناهي، فالله إذن ممتد كالأجسام من حيث إن الله حاصل على جميع الأعيان المطلقة أي جميع الكمالات؛ ولكن ليس الله ممتدًّا على نحو امتداد الأجسام لأنه بريء عن حدود مخلوقاته ونقائصها ١. فبالرغم من حملته على "الشقي سبينوزا" نراه يصل إلى نفس النتيجة، وقد اعتقد مثله أن الامتداد لامتناه كما يبدو للمخيلة، فظنه أحد الكمالات المطلقة التي تجب إضافتها إلى الله فلم يتردد في هذه الإضافة، ولطفها باستدراك أملاه عليه إيمانه المسيحي القاضي بالتفرقة بين الخالق والمخلوق، دون أن يوجد في المذهب ما يسوغ هذا الاستدراك.


١ "أحاديث فيما بعد الطبيعة" الحديث الثامن, ٧.

<<  <   >  >>