من حيث إن الفاعلية لله وحده، والله هو الذي يحقق إرادات الإنسان، بل "إن الله هو الذي يصور لنا فكرة الخير الجزئي, ويدفعنا نحوه" فلا يبقى للنفس فعل، ومهما نقل: إن الاختيار فعل صوري، فالمذهب ينفي كل فعل عن المخلوق. وإذا سألنا: كيف نعزو الخطيئة إلى الله؟ أجاب مالبرانش بأن "الخاطئ لا يصنع شيئًا من حيث إن الشر عدم، وإنما هو يقف ويطمئن عند الخير الجزئي، ولا يتبع الله" أَوَلَيس وقف دفع الله وتوجيهه يستلزم بذل فعل؟
هـ- على أن مالبرانش يعتبر الاختيار فعلًا كافيًا نفسه بنفسه ومحققًا للخليقة والتبعة، ويضع مذهبًا في الأخلاق، وترجع مبادئ هذا المذهب إلى ما يأتي:
إن قانون الإرادة العقل, وبالعقل نتصل بالله، وفي الله نوعان من النسب بين الأشياء: نسب مقدار ونسب كمال. الأولى تتعلق بالعلم النظري، والثانية تتعلق بالنظام؛ "فكما أننا نلاحظ فورا نسبة عدم التساوي بين مقدارين، نلاحظ أيضًا أن الحيوان أعظم قيمة من الحجر، وأقل قيمة من الإنسان" لتفاوت نسبة الكمال. و"نسب الكمال هي النظام الدائم الذي يرجع الله إليه حين يفعل، وهذا النظام يجب أن يكون قانون العقول في تقديرها للأشياء ومحبتها لها" ومن ثمة يكون قانون الإرادات دستور الأخلاق، فتتجه المحبة إلى الله أولا وفوق كل شيء لأنه الكمال المطلق، ثم إلى المخلوقات, كل بحسب نسبته لله أي: درجته من الكمال. فالفضيلة الوحيدة محبة النظام محبة متصلة، وكل ما نصنعه لغاية أخرى فليس فضيلة ولو كان مطابقا للنظام, مثل الإحسان الصادر عن طلب المجد الدنيوي أو عن مجرد الشفقة. فالعقل صوت الله فينا، من لا يصغي إليه يقع في الخطأ والخطيئة، ويحكم على الأشياء بعقله الخاص لا بالعقل الكلي الموجود فينا كجزء لاشخصي إلهي يستطيع استكشاف النظام بالرغم من اختلاف تكوين العقول بالتربية والعادة وظروف المكان والزمان. هذا الاختلاف هو السبب في اختلاف الاخلاق؛ أما إذا عاد الناس إلى العقل الخالص، فإنهم يهتدون إلى نفس القواعد الأخلاقية، وفي كل هذا يتابع مالبرانش القديس أوغسطين ويخالف ديكارت.
ولكن المذهب في جملته عبارة عن استخلاص النتائج المنطوية في مذهب ديكارت. فصل ديكارت بين الفكر والوجود؛ فاستحال عليه تفسير