المستقلة عن الزمان، إذ ليست الحياة الأبدية بقاء النفس بعد فناء الجسم أو الخلود في عالم مفارق، فإن النفس فكرة الجسم ولا توجد إلا بوجود الجسم، وإنما الحياة الأبدية معرفتنا ذاتنا من وجهة الأبدية وتأمل النظام الكلي. وبعبارة أخرى: إن النفس سرمدية من حيث هي حاصلة على معرفة الحقائق السرمدية؛ وكلما ازدادت معرفتها ازداد حظها من الخلود، فإن الخير الوحيد الذي يدركه عقلنا والخير الخلقي ما أنمى العقل، والشر ما انتقصه وأفسده. وذلك هو الدين الحق الذي نجده في نفسنا.
٥٠ - الدين والسياسة ١:
أ- أما الدين الوضعي فقد مست الحاجة إليه لقصور جمهرة الناس عن مطالعة أوامر الله في نفوسهم. وإن الكتب المقدسة لتدلنا على أن الله أنزل وحيه على الأنبياء بألفاظ وصور محسوسة أو متخيلة, ما خلا المسيح، فإنه عرف الله دون ألفاظ ولا رؤى، واتصل بالله نفسًا لنفس، كما اتصل موسى بالله وجهًا لوجه. فالأنبياء لم يمنحوا عقلًا أكمل من عامة العقول، وإنما منحوا مخيلة أقوى، فقد كان منهم الأميون، وكان من الحكماء مثل سليمان من لم يوهبوا النبوة. واختلف الوحي عند كل نبي باختلاف مزاجه البدني ومخيلته وآرائه السابقة، فإن الله لاءم بين وحيه وبين أفهام الأنبياء وآرائهم. ولما كان التخيل لا ينطوي بطبيعته على اليقين، كما ينطوي عليه المعنى الجلي, لم يكن الأنبياء على يقين من وحي الله بالوحي نفسه بل بعلامة ما، وقد نبه موسى اليهود على أن يسألوا النبي علامة، لذا كانت النبوة أدنى من المعرفة العقلية الغنية عن كل علامة. ولما كان الله رحيمًا بالكل، كانت مهمة النبي تعليم الفضيلة الحقه لا الشرائع الخاصة بكل بلد بلد، فما من شك في أن جميع الأمم حصلت على أنبياء. وإذا كانت التوراة لا تذكر شيئًا من هذا القبيل؛ فلأنها تؤرخ لليهود فحسب. ذلك بأن جوهر الشريعة الإلهية الطبيعية معرفة الله ومحبته، وأن هذه الشريعة يدركها الإنسان في نفسه، فهي مشتركة بين جميع الناس، ولا تقتضي الإيمان بقصص تاريخية أيًّا كان موضوعها، وإن كان لنا في