مفكرًا وممتدًّا، لا سيما أنه بدأ بأن نفى عنه العقل وجعل منه علة ضرورية فحسب, فكيف يصدر العقل بعد ذلك عن لا عقل؟ كما أنه لم يبين أن في الجوهر أو في صفتي الفكر والامتداد ضرورة منطقية للتخصص في أحوال جزئية. لقد أخذ من التجربة ومن ديكارت الصفتين وأحوالهما ثم أضافهما للجوهر إضافة خارجية, فالمنهج القياسي عنده مجرد دعوى، لا سيما أن القضايا التي يطلب تسليمها دون برهان تربو على الأربعين، وتعريفات الجوهر والصفة والحال غير مترابطة تؤلف ثلاثة مبادئ منفصلة.
ج- ومن جهة أخرى لم يتفادَ سبينوزا التفاعل كما أراد, فإنه يقول في الواقع بنوعين من علاقة العلية: علاقة داخلية بين الجوهر والصفات والأحوال, وعلاقة خارجية بين الأحوال بعضها وبعض؛ فكيف نفسر هذه، وكيف نوفق بينها وبين تلك؟ إذا ساغ قبول العلية الخارجية في الأحوال، فلم لا نقبلها في صدور الأحوال أنفسها عن الصفات، فنعود إلى العلية الفاعلية المتعدية إلى خارج؟ ولا سيما أن سبينوزا لم يبين إمكان استنباط الحركة من الامتداد، والحركة هي العامل في تكوين الأجسام الجزئية وتفاعلها. وكان أحد مراسيله كتب إليه أن هذه المشكلة محلولة عند ديكارت بقوله إلى الله خلق المادة متحركة، وسأله عن حلها عنده هو مع اعتقاده مثل ديكارت عدم تضمن فكرة الامتداد لفكرة القوة، فأجاب "في ١٥ يوليو ١٦٧٦ " بأن تعريف المادة بأنها امتداد تعريف غير كافٍ وأنه يعتزم بحث المسألة بحثًا أدق وأعمق. ولكنه مرض ولم يعد إليها، ولو كان قد عاد لما كان اهتدى إلى حل, إلا أن يضع المطلوب نفسه وضعًا فيقول: إن المادة امتداد متحرك.
د- ومن جهة ثالثة لما محا سبينوزا التمايز الجوهري بين الفكرة الصادقة والفكرة الكاذبة، وقال: إن الفكرة الكاذبة ليست كذلك بذاتها, ولكنها فكرة ناقصة تعتبر كاملة، وأن ليس هناك من ثمة سوى درجات في طلب الحقيقة، انساق إلى محور التمايز الجوهري بين الخير والشر، وإلى القول بأن الشر فكرة ناقصة تعتبر كاملة، وأن ليس هناك سوى درجات في طلب الخير، فأقام مذهبًا لاأخلاقيًّا بالرغم من دعواه، ليس فقط من هذه الوجهة، بل أيضًا من وجهات أخرى، إذ إنه أنكر الحرية والغائية والتمايز بين الممكن والضروري،