للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى تحقيقها. فذهب إلى لندن ومكث بها الثلاثة الأشهر الأولى من سنة ١٦٧٣ فتعرف إلى علمائها، ثم عاد إلى باريس فكان مقامه بها كثير الخصب, إذ درس الرياضيات على علمائها وفي مصنفات بسكال، ودرس الفلسفة الديكارتية، وقرأ الرسالة اللاهوتية السياسية لسبينوزا، وصنع آلة حاسبة حاكى بها بسكال وجاوزه بأن زاد على الجمع والطرح الضرب والقسمة، بل استخرج بعض الجذور، واستكشف حساب الفوارق " ١٦٧٦ ". وكتب بهذا الكشف إلى أحد علماء لندن هو "أولدنبرج " فجاء الرد بأن نيوتن وصل إلى نظرية أعم، فعكف ليبنتز على توسيع نظريته حتى أبلغها إلى ما يعادل نظرية نيوتن، فقام بين المكتشفين نقاش حاد على السبق لأيهما كان. وقد كان لنيوتن إذ يرجع اكتشافه إلى سنة ١٦٦٥؛ غير أن كلا منهما اتجه في اكتشافه وجهة خاصة واتخذ سيرًا خاصًّا، وكان اكتشاف ليبنتز أكثر خصبًا والاثنان مدينان لبحوث الرياضيين السابقين.

ج- توفي أمير ميانس، وعرض على ليبنتز منصب أمين مكتبة دوق هانوفر " ١٦٧٦ " فقبله وغادر باريس إلى لندن حيث أمضى أسبوعًا, وتعرف إلى الرياضي كولنز صديق نيوتن؛ ومنها قصد إلى أمستردام حيث لقي سبينوزا ودارت بينهما أحاديث فلسفية واطلع على كتاب "الأخلاق". وفي آخر ديسمبر انتهى إلى هانوفر، فأقام بها عظيم القدر متصلًا بجميع الأحداث الأوروبية الكبرى، مؤلفًا في تاريخ ألمانيا وفي الفلسفة، محاولًا التوحيد بين الكاثوليكية والبروتستانتية، ثم التوحيد بين الكنائس البروتستانتية المختلفة، مستأنفًا تحريضه على السلطنة العثمانية، ولكن عند بطرس الأكبر قيصر روسيا، وعارضًا عليه مشروعًا واسعًا لإصلاح بلاده, غير أن الحكم تغير في هانوفر، فتضاءل نفوذ ليبنتز رويدا رويدًا حتى انمحى، وانتابه المرض فألزمه مقعده. وكان الشعب، وكان بعض رجال البلاط، يعتبرونه زنديقًا، فإنه على تشبعه بالفكرة الدينية لم يكن يمارس العبادات، إلا فيما ندر؛ وتدلنا مساعيه للتوحيد بين الكنائس على أنه كان أكثر تعلقًا بالدين الطبيعي منه بالدين المنزل، فأنه كان يطلب إلى الكنائس النزول عن بعض العقائد أو تعديل بعضها الآخر كأنها عديمة القيمة في ذاتها. ولما حضرته الوفاة أبى أن يستدعي أحدًا من رجال الدين, فلم يمش وراء نعشه سوى كاتبه، ودفن "كقاطع طريق, لا كرجل كان زينة

<<  <   >  >>